كتبت ذات يوم مقالاً عما نحن مقدمون عليه من تصحر عاطفي، ولأن الزمن جد في سرعته، فلم يترك لنا فرصة استقبال المتغير بخطط استباقية بل جعلنا نعيش في حومة الوغى وقفز إلى ما لا يمكن استقباله بخططنا البديلة، وتلك السرعة الزمنية لم نألف على موازاتها أو مجاورتها.
نعم، نحن مقدمون على تصحر عجيب، فالمخترعات التقنية قفزت بالكون أشواطاً بعيدة، ولم تعد المجتمعات الاستهلاكية على اتفاق ثقافي ونفسي مع المستجدات ذات الأثر الفاعل على حياتهم.. وعادة تكون المجتمعات الاستهلاكية تابعة رغماً عنها وتتشكّل وتتغيّر سلوكياتها وفق معطى المنتج التقني..
والدول المنتجة توازت مجتمعاتها وفق ذلك المنتج فتجد تناقضاً بين ثقافة المجتمع ومنتجاته وتحديداً في الجانب الاجتماعي، بينما ما يحدث للدول المستهلكة أن ثقافتها وسلوكها متأخر جداً عن الأدوات التي يمارسونها في حياتهم، بحيث تمثل فجوة لا تتسق مع حياتهم والذي يحدث التماشي مع المعطى التقني.
ونتذكر إعلان إحدى الجامعات البريطانية عن تصنيع رجل آلي (روبوت) يقوم مقام الزوج بجميع الاحتياجات التي تحتاج إليها المرأة من الألف إلى الياء، بما في ذلك كمية وافرة من الغزل وامتداح الجمال والشعور وتبديد الملل لدى الزوجة البشرية..
هذا المخترع كيف يمكن للمجتمعات المستهلكة استيعاب إحلال الرجل الآلي محل الزوج البشري التقليدي؟
لنترك للخيال فرصة لدى كل قارئ لكي يجيب ماذا ستكون عليه الحياة بهذه الصيغة؟
ربما قد سبق هذا الروبوت الزوجة الآلية أو المصنّعة لكي يتخلى الرجل عن المسؤوليات الجسام في الرعاية والإنفاق أو التخلي عن (وجع الراس) بسبب البحث عن الزوجة الملائمة؟
القضية هنا ليست رغبات أبداً وإنما هي تقنية سوف تغيّر النمط السلوكي خلال السنوات القادمة، أي أن ثقافة الدول المستهلكة سوف تجد نفسها أمام معضلة اجتماعية قاسية، ولم تصل ثقافتها إلى ما هو حادث تقنياً وليس لديها حلول وقتية أو مستقبلية عما تحمله المقتنيات التقنية من تغيّر ثقافي وسلوكي..
وكلما قرأت تقريراً عن العنوسة أو عن نسب الطلاق أو عن تأخر سن الزواج أو عن العازفات عن الزواج، أجد فعلاً أن المجتمع يعاني من أزمة اجتماعية لم تحل بالطرق التقليدية حتى أن التعددية غير قادرة على إيجاد الحل النموذجي، ومع تراكم أعداد غير المتزوجين يصل إلى أسماعنا جنوح البعض (تصريحاً أو تلميحاً) للارتهان لما تنتجه التقنيات من بدائل.. وفي كل الحالات ثمة حقيقة اجتماعية تؤكد على التصحر العاطفي، وأعتقد أن القادم بحاجة إلى تأسيس فكرة أو حزمة قرارات من شأنها مجابهة هذا التصحر العاطفي القادم، والذي ينبئ أن ثمة عاصفة اجتماعية لم يتنبه لها أو تؤخذ لها الحدود التي من شأنها تجنيب المجتمع من ذلك التصحر العاطفي.
حقاً، نحن نعيش وفق ما يحدث على الأقل ثقافياً، فما نحن صانعون في الغد؟
هذا الجرس علّقته منذ زمن مبكر حين أحسست بتجعّد مشاعر الجيل الشبابي، ومع ذلك ثمة حركية ملازمة للتغيّرات، مع الإشارة إلى تساقط أعراف سابقة، يبدو أن الجيل لم يعد معتدّاً بها، وهذا ليس عيباً يلصق بالشباب وإنما حركية الزمن تنتج ما يلائمها في زمنها… ويبدو أن الكهولة تمكّننا من ربط رؤوسنا ونقوم بدور النادبات.
أخبار ذات صلة
مدبولي: توجيهات رئاسية بسرعة تطبيق مراحل منظومة التأمين الصحي الشامل - أخبار مصر
أحمد أمين أوفا: وسام أبو علي منعني من الانتقال لـ الأهلي.. والزمالك فشل في ضمي
تسريب صوتي يهدد مسيرة جوناثان ماجورز.. اعتراف صادم بخنق صديقته السابقة
الذهب يحقق نصف مكاسبه في 2024 خلال أول 3 أشهر من 2025
حالة الطقس اليوم في مصر.. ارتفاع درجات الحرارة والعظمى 27 بالقاهرة
اعرف الحرارة كم في ثاني يوم رمضان.. بيان مهم من الأرصاد الجوية عن طقس الساعات المقبلة
نوريس يتوج بسباق هولندا لفورمولا 1
مصر تلغي الحد الأدنى لصادرات القطن للموسم الحالي
أكوا باور السعودية تنشئ محطة طاقة رياح في الغردقة بقدرة 2000 ميجاوات
تعرفة ترمب الجمركية تهدّد سلاسل توريد صناعة السيارات وتنذر بارتفاع الأسعار (تقرير) - الطاقة