ترمب يعمق أزمة الثقة مع دول الناتو بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية

تصاعدت المخاوف من أن تؤدي خطوة قطع المعلومات الاستخبارية الأميركية عن أوكرانيا، إلى تفاقم حالة عدم الثقة واليقين، السائدة بالفعل بين أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) نفسه، بشأن تبادل المعلومات السرية. ورغم أن تبدل الموقف الأميركي من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، عُدّ دافعاً رئيسياً، لكن لا يخفى أن انعدام الثقة كان سائداً منذ فترة طويلة، في ظل التوترات الناجمة عن اختلاف النظرة إلى تلك الحرب، بين الأعضاء الغربيين التقليديين في الناتو، وبعض الأعضاء الجدد من أوروبا الشرقية. وقد تفاقم هذا الأمر في أعقاب هجوم روسيا على أوكرانيا، بعدما أيدت المجر روسيا، وانضمت إليها أخيراً سلوفاكيا، ما أدى إلى تصنيفهما دولاً غير موثوقة.

شعار «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)» عند مدخل مقرها في فرجينيا (رويترز)

جوهر التحالف اهتز

ومع التحول الأميركي نحو روسيا في عهد ترمب، نقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مسؤولين حاليين وسابقين في حلف شمال الأطلسي والأمن، قولهم إن جوهر التحالف قد اهتز، ما دفع الدول إلى التساؤل عن أخطار تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن أيضاً. وتفاقم الارتباك حول موثوقية الولايات المتحدة، بعد قطعها «المؤقت» لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا للضغط عليها للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا.

وكان ترمب قد أمر في وقت سابق من الأسبوع بتعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد اجتماعه العاصف الأسبوع الماضي في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وقال مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) جون راتكليف، الأربعاء، إن الولايات المتحدة أنهت أيضاً، في الوقت الحالي، مشاركة معلوماتها الاستخباراتية مع كييف، على الرغم من أنها قد تكون قصيرة الأجل بعد أن وصف زيلينسكي تبادلاته الحادة مع ترمب بأنها كانت «مؤسفة» وأن أوكرانيا مستعدة لمحادثات سلام مع روسيا. وهو ما أشار إليه ترمب خلال خطابه أمام الكونغرس يوم الثلاثاء، مؤكداً تلقيه رسالة من زيلينسكي بهذا المعنى.

وقال راتكليف لشبكة «فوكس نيوز»: «أعتقد أن التوقف الذي دفع رئيس أوكرانيا للرد سيزول». وقال: «أعتقد أننا سنعمل جنباً إلى جنب مع أوكرانيا حيث يتعين علينا صد العدوان هناك، ولكن لوضع العالم في مكان أفضل حتى تتمكن مفاوضات السلام هذه من المضي قدماً».

وصرح مايك والتز، مستشار الأمن القومي، للصحافيين يوم الأربعاء بأن الولايات المتحدة «تراجعت خطوة إلى الوراء» وأن الإدارة «تراجع جميع جوانب علاقتها الاستخباراتية مع أوكرانيا». لكنه أضاف أن الولايات المتحدة تتحرك بسرعة لبدء مفاوضات السلام لإنهاء الحرب وتوقيع اتفاقية حقوق التعدين مع كييف. وقال والتز: «أعتقد أننا سنرى تحركاً في وقت قصير جداً». وأضاف أن مسؤولي ترمب سيلتقون بمسؤولين أوكرانيين في أثناء قيامهم بدبلوماسية مكوكية مع روسيا. وأضاف: «لقد كنت للتو على الهاتف مع نظيري، مستشار الأمن القومي الأوكراني، للحديث عن الأوقات والمواقع والوفود».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع لحلف شمال الأطلسي في 2019 (أ.ب)

مخاوف من واشنطن

وقالت جولي سميث، سفيرة الولايات المتحدة لدى الناتو في عهد جو بايدن: «هناك الكثير من الهمسات في أروقة الناتو حول مستقبل تبادل المعلومات الاستخباراتية داخل التحالف»، مضيفة أنها «سمعت مخاوف من بعض الحلفاء» بشأن ما إذا كانت واشنطن ستستمر في تبادل المعلومات الاستخباراتية مع التحالف. وقال دانييل ستانتون، المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات الخارجية الكندي: «في الوقت الذي يحتاجون فيه بالفعل إلى المزيد من المعلومات الاستخباراتية، سيكون هناك القليل من العمل في هذا الأمر». وأضاف ستانتون: «هناك إجماع أقل حول من هو العدو المشترك وسيكون الناس أكثر تحفظاً في المشاركة».

كما يثير تعيين تولسي غابارد لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية القلق أيضاً، بعدما رددت الكثير من مواقف روسيا بشأن الحروب في أوكرانيا وسوريا، والتقت بالرئيس السوري السابق بشار الأسد، الذي عزله المجتمع الدولي لاستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد مواطنيه.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

تحالف العيون الخمس

وفي الشهر الماضي، ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أن المسؤول الكبير في البيت الأبيض بيتر نافارو، يدفع أيضاً باتجاه قطع كندا عن شبكة تبادل المعلومات الاستخباراتية المسماة «العيون الخمس». وهو تحالف يضم أيضاً المملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، ويعد من أكثر المجموعات قرباً لتبادل المعلومات الاستخباراتية المتعددة الجنسيات في العالم.

ومع أن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي البالغ عددها 32 دولة لم يكن وثيقاً كما كان بين دول تحالف «العيون الخمس»، فإن الأمر يعود أساساً إلى مخاوف التسريبات والشكوك في أن بعض وكالات الاستخبارات الوطنية ربما تكون قد تعرضت للاختراق من قبل الروس. وبعد مرور ثلاث سنوات على الحرب الأوكرانية، ومع التحول السياسي الحاسم في عهد ترمب، أصبح الدور المستقبلي للمخابرات الأميركية موضع تساؤل. ومع ذلك، أكد مسؤولون أن التحول الأميركي لم يؤثر بعد على تبادل المعلومات الاستخباراتية، لكنهم أعربوا عن مخاوفهم من أنه يؤدي إلى ذلك قريباً.

تبادل المعلومات كان ثنائياً

وقال أحد المسؤولين الحاليين في حلف شمال الأطلسي: «بالطبع هناك تآكل بسبب النهج المتبع بشأن أوكرانيا، لكننا نظل على وجهة النظر القائلة بأن ترمب ليست لديه مشاكل حقيقية مع حلف شمال الأطلسي بخلاف الإنفاق… لذا فهذا شيء يمكن البناء عليه». وأكد مسؤول سابق في حلف شمال الأطلسي أن الكثير من تبادل المعلومات الاستخباراتية كان يحدث على المستوى الثنائي وليس في اجتماعات بين جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي. وأضاف: «كان هذا هو الحال دائماً إذا ساءت الأمور». فالمعلومات حول روسيا والصين والاستخبارات الفنية حول أنظمة أسلحة الخصوم، يتم تبادلها ثنائياً أو داخل مجموعات أصغر. وينطبق هذا أيضاً على الحكومة البلغارية، حيث لم تعد تتلقى حالياً كل المعلومات الاستخباراتية بسبب مخاوف من وجود «أصول روسية في أجهزة رئيسية»، كما كان الحال مع جهاز المخابرات الألماني بين عامي 1999 و2004، حيث كان يتم اختيار ما يمكن مشاركته معه خوفاً من تسربه إلى روسيا.

المستشار الألماني أولاف شولتس لدى وصوله إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل للمشاركة بالقمة (أ.ف.ب)

ونفى بعض المسؤولين أن تكون الصدمات الأخيرة التي تعرض لها التحالف قد أثرت على تبادل المعلومات الاستخباراتية. وقال المسؤول: «يمكن لأفراد الاستخبارات تبادل المعلومات والتحدث مع بعضهم البعض في ظل ظروف لا يستطيع الآخرون توفيرها. ولم نشهد أي انخفاض في ذلك».

close