رسميًا: بقاء أموال العراق في البنك الفدرالي الأمريكي يعد أمانًا قانونيًا في 2025

احتفظ العراق بأكثر من 80 مليار دولار من عائدات النفط والغاز في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في إطار آلية إيداع وتحكم مالي معقد تعدُّ محورًا هامًا لاستقرار الاقتصاد العراقي ومراقبة تدفق الأموال، وهو ما يطرح تساؤلات حول تأثير هذه الخطوة على السيادة الاقتصادية وعلاقات العراق المالية الدولية.

تاريخ آلية إيداع عائدات النفط في الاحتياطي الفيدرالي وتأثيرها على الاقتصاد العراقي

في عام 2003، فرض مجلس الأمن القرار رقم 1483 آلية تحويل عائدات النفط والغاز العراقية إلى حساب خاص لدى البنك المركزي العراقي في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، تحت رقابة الأمم المتحدة، مع تخصيص نسبة 5% منها لتعويضات الكويت نتيجة غزو 1990؛ ورافق ذلك الأمر التنفيذي 13303 الصادر عن الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي منح الأموال حصانة قانونية كاملة من الحجز أو المصادرة. استمر العراق في دفع التعويضات حتى بلغ المبلغ الإجمالي 52.4 مليار دولار وأغلقت القضية نهائيًا في 2022، إلا أن واشنطن واصلت تجديد الحماية القانونية لهذه الأموال في الاحتياطي الفيدرالي حتى مايو 2025. هذا النظام تجاوز هدفه الأصلي ليصبح آلية مهمة لضمان الاستقرار المالي في بلد يعاني من تقلبات سياسية واقتصادية؛ كما مكّن الولايات المتحدة من مراقبة حركة الدولار وحماية مصالحها الاستراتيجية داخل العراق.

دور الاحتياطي الفيدرالي في تأمين عائدات النفط العراقية وتأثيره على السيادة الاقتصادية

يرى خبراء اقتصاديون في واشنطن، مثل الدكتور فرانك مسمار رئيس المجلس الاستشاري في جامعة ميريلاند، أن الودائع المالية في الاحتياطي الفيدرالي تقدم للعراق بيئة مالية مستقرة بين تقلبات أسواق الطاقة، وتعزز ثقة المستثمرين بشفافية إدارة الأموال؛ كما تسهل وصول البلاد إلى النظام المالي الأميركي، مما يساعد في سداد الديون وتمويل الواردات. بالرغم من ذلك، يحذر مسمار من أن هذه الآلية قد تستخدم كورقة ضغط سياسية تمس السيادة الاقتصادية العراقية. في الجانب الآخر، يدافع مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي عن وجود الأموال في الفيدرالي باعتبارها “شبكة أمان قانونية” تسمح بتنويع الاحتياطيات وإيداع جزء منها في بنوك مركزية أخرى محمية قانونيًا، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تتحكم بشكل رئيسي بحركة الدولار لا بعائدات النفط نفسها، وهو أمر مفروض بسبب هيمنة العملة الأميركية في النظام المالي العالمي.

تداعيات آلية الإيداع في الاحتياطي الفيدرالي على الاقتصاد العراقي والسوق المحلية

تشير تسريبات من البنك المركزي إلى أن الأرصدة في الاحتياطي الفيدرالي تتراوح بين 80 و85 مليار دولار، وتُستخدم هذه الأموال في تمويل التجارة الخارجية، وسداد التزامات الدولة، وضبط سعر صرف الدينار، ومكافحة التضخم. إلا أن كشف طرق تهريب الدولار إلى إيران ودول أخرى خاضعة للعقوبات دفع وزارة الخزانة الأميركية إلى زيادة الرقابة وفرض عقوبات على نحو 35 مصرفًا عراقياً من أصل 72، منها مصرف بغداد الذي يحتفظ بحسابات للموظفين في السفارة الأميركية. هذه الإجراءات حدّت من تدفق الدولار إلى السوق المحلية، مما أدى إلى ارتفاع سعر الصرف وزيادة تكاليف الاستيراد، مما أثّر بشكل مباشر على النشاط التجاري ومعيشة المواطنين. وفي الأسواق العالمية، تُعتبر هذه الاحتياطيات ضمانة أساسية للوفاء بالمدفوعات الدولية وصمام أمان أمام تقلبات أسعار النفط. ويُحذّر الخبير نبيل التميمي من خطورة الاعتماد المفرط على المظلة الأميركية بسبب وجود ديون غير مسددة منذ عام 2003، مما يجعل الأرصدة عرضة للحجز خارج نطاق حماية الاحتياطي الفيدرالي، خاصة مع وجود ثغرات قانونية نتيجة الإهمال في متابعة الملفات المالية الحكومية. في المقابل، يرى مصرفي سابق أن إخراج الأموال من الاحتياطي الفيدرالي قد يشكل خطأ استراتيجيًا بسبب الحصانة الدولية التي يوفرها هذا الاحتياطي للعراق في مواجهة القضايا المالية الدولية غير المغلقة.

يعتمد العراق على النفط في تمويل أكثر من 90% من ميزانيته، ما يجعل وصول العائدات في الوقت المناسب أمرًا حيويًا، حيث أي تأخير قد يؤدي إلى أزمة ثقة محلية ودولية، فضلاً عن ضغوط إضافية على الدينار في الأسواق المالية. يبقى التوازن بين استعادة السيطرة الكاملة على الأموال والحفاظ على الحماية القانونية التي تقدمها آلية الاحتياطي الفيدرالي تحديًا معقدًا، فكما يحذر المسئولون، فإن الاعتماد على الفيدرالي الأميركي يشبه السير على حبل مشدود؛ إذ يضمن مظلة أمان ماليةً، لكنه في الوقت ذاته قد يتحول إلى أداة ضغط إذا تغيرت الحسابات السياسية في واشنطن، الأمر الذي يؤكد أن إدارة الثروة الوطنية ليست مجرد حسابات وأرقام، بل اختبار يومي لاستقلال القرار والسيادة الاقتصادية.