يطرح الكاتب العراقي ماجد الخطيب في السوق كتابه المعنون «البيئة المسلية» في زمن ما عاد فيه الإنسان يشعر بأي تسلية وهو يشاهد الخراب البيئي العظيم الذي يُلحقه الإنسان ومنتجاته ببيئة الأرض.
فتلوُّث جو الأرض بغاز ثاني أوكسيد الكربون يزداد، وتحول الضجيج إلى جريمة إلحاق ضرر جسدي بالإنسان. وحين فحص أعضاء منظمة «الكوكب البلاسيتيكي» عينات من دمائهم تحت المجهر توصلوا إلى أن جزيئات الميكروبلاستيك تسللت إلى دمائهم بعد أن ملأت مياه البحار والمحيطات.
بيد أن قراءة ما كتبته دار النشر على الغلاف الأخير لكتاب «البيئة المسلية» من أرقام ومعطيات وحقائق بيئية قد يكفي لتسلية القارئ فعلاً. أليس من التسلية أن تنقلب حقائق البيئة رأساً على عقب، بفضل مفهوم «الميزان البيئي»، فيصبح المقبول بيئياً حتى الآن ضاراً بالبيئة والعكس بالعكس.
يُفاجأ القارئ حينما يسمع أن الميزان البيئي للقطن ليس أفضل من الميزان البيئي للبلاستيك، رغم سمعة القطن التاريخية الكبيرة. إن البقرة أخطر على البيئة من السيارة بسبب ما تحرِّره من كميات كبيرة من غاز الميثان من أمعائها (235 لتراً) وهي تجترّ طعامها يومياً. وبعد أن كان حماة البيئة يتهمون السيارة بأنها «ملوث البيئة رقم1 في العالم»، صاروا يسمون الكمبيوتر «وحش البيئة»، لأن ميزانه البيئي يرتفع إلى طنين، لكنهم يرون الآن أن البشر هم الملوث الحقيقي للبيئة تحت شعار «البشر يحتاجون إلى البيئة… البيئة لا تحتاج إليهم».
وهكذا نجد تسلية كبيرة في معرفة أن الوزن الحقيقي لحلقة الزواج ليس 50 غراماً وإنما 2000 كيلوغرام، ووزن الشريحة الإلكترونية في الجوّال ليس غرامين وإنما 36 كيلوغراماً. وهل تعلم أن 200 سؤال عند «غوغل» تستهلك طاقة كهربائية وحرارية تعادل كيّ قميص؟ إنها معطيات تدفع الإنسان إلى التفكير مستقبلاً في «ميزانه البيئي» قبل أن يشرع في تلويث البيئة بنشاطه اليومي.
ويشير الكاتب إلى أنه من الممكن اختصار معنى «الميزان البيئي» للأشياء بالقول إنه مجموع المواد والطاقة المستخدمة في إنتاج الشيء أو السلعة إلى حين وصوله أو وصولها إلى المستهلك. فبنطلون الجينز يستهلك 8 آلاف لتر من الماء قبل أن تلبسه. واللابتوب الذي وزنه كيلوغرامان تدخل 1.8 طن من المواد والطاقة في إنتاجه قبل أن يستقر أمام الإنسان على المنضدة. وربما لا يشعر الإنسان بثقل عملة «بتكوين» الافتراضية على البيئة إلا بعد أن يعرف أن التعامل بهذه العملة على شبكة الإنترنت يطلق 22 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، حسب علماء البيئة.
لكن المعنى الكامل للميزان البيئي لا يعني غير أخذ 11 عاملاً في الحسبان خلال الحكم على الميزان البيئي للشيء من دائرة البيئة الاتحادية الألمانية. وهي معايير تتعامل مع ضرر الأشياء على البيئة قبل وبعد إنتاجها (من المهد إلى اللحد). بين هذه العوامل مقدار الطاقة والمواد المستخدمة في إنتاج السلعة أو الشيء، وحجم المواد المستخدمة في الإنتاج، وكمية غاز ثاني أوكسيد الكربون والغازات الضارة الأخرى المنطلقة، وكمية الماء المستخدمة، ومقدار الأضرار الصحية الناجمة عن الإنتاج… إلخ.
وتقدر دائرة الصحة الألمانية الوفاة المبكرة لأكثر من 40 ألف ألماني سنوياً بسبب أمراض البيئة الممتدة بين الضجيج وتلوث الجو بذرَّات الكربون وارتفاع درجات حرارة الجو، إلخ… وهذا يعني أن مواطنة أو مواطناً واحداً من كل 1000 مواطن يعيش 8 سنوات أقل من غيره بسبب الأمراض الناجمة عن تلوث البيئة والتغيرات المناخية.
وتثبت دراسة هولندية جديدة أن التغيرات المناخية عززت انتشار مرض السكري من النوع الثاني في كثير من بقاع الكرة الأرضية. على أساس هذه الدراسة توصل العلماء الهولنديون إلى أن كل ارتفاع في حرارة الجو بمقدار درجة مئوية واحدة، خلال العقود الماضية، أضاف 100 ألف حالة «سكري2» سنوياً إلى جيش السكريين في الولايات المتحدة.
ولكن قد لا يجد القارئ أي تسلية وهو يعرف أن الدراسات العلمية أثبتت أن الطيور في المدن بُحَّ صوتها وهي تحاول الارتفاع بتغريدها على ضجيج هذه المدن. لكنه قد يجد تسلية في معرفة أن كلمة الضجيج الألمانية (Lärm) تنحدر عن كلمة «all’arme» التي تعني «إلى السلاح» في القاموس العسكري. وترتبط كلمة الضوضاء في اللغة الألمانية حتى الآن بصخب الجيش والحروب والانفجارات، وبقيت كذلك حتى منتصف القرن الثامن عشر حينما تحول «الضوضاء» إلى مفهوم علمي.
يقع كتاب «البيئة المسلية» في ثمانية فصول. يشرح المؤلف في الفصل الأول ما هو الميزان البيئي، ثم يتناول في الفصول الأخرى، وبالأرقام والحقائق البيئية المسلية والمثيرة مشكلات الضجيج والبلاستيك، ودور السيارة والبشر والكمبيوتر في تلويث البيئة، والحلول المطروحة لتنقية بيئة الكوكب. وهناك فصل كامل بعنوان «البيئة المسلية».
صدر الكتاب عن «دار الفجر» القاهرية للنشر والتوزيع التي تهتم بنشر الكتب العلمية.
وجاء في 300 صفحة من القطع الكبير.