محافظ اللاذقية السورية: سنحاسب كل من ارتكب انتهاكا بحق المدنيين
اللاذقية/ محمد قرة مريم/ الأناضول
أكد محافظ اللاذقية محمد عثمان على محاسبة جميع الأطراف المتورطة في انتهاكات بحق المدنيين خلال الأحداث الأخيرة التي شهدها الساحل السوري.
جاء ذلك خلال مقابلة أجرتها الأناضول مع عثمان، بشأن تفاصيل ما جرى في منطقة الساحل السوري قبل أيام، على خلفية مهاجمة فلول قوات النظام السابق قوات الأمن العام، وحول الإجراءات التي تتخذها السلطات الحكومية للتحقيق فيما حدث وتعزيز الوضع الأمني في المنطقة.
وفي 6 مارس/آذار الجاري، شهدت محافظتا اللاذقية وطرطوس توترا أمنيا على وقع هجمات منسقة قوات نظام الأسد، هي الأعنف منذ سقوطه، ضد دوريات وحواجز أمنية، ما أوقع قتلى وجرحى.
وبعد إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أطلقت السلطات السورية الجديدة مبادرة لتسوية أوضاع عناصر النظام السابق من الجيش والأجهزة الأمنية، شريطة تسليم أسلحتهم وعدم تلطخ أيديهم بالدم.
واستجاب عشرات الآلاف للمبادرة، بينما رفضتها مجموعات مسلحة من قوات النظام، لا سيما في الساحل السوري، حيث كان يتمركز كبار ضباط نظام الأسد.
** الخطاب التحريضي
عثمان أشار إلى أن النظام المخلوع دأب خلال سنوات حكمه على شحن المجتمع بـ”الخطاب التحريضي الطائفي لتصوير نفسه على أنه حامي الأقليات”.
وأكد أنهم أولوا في محافظة اللاذقية، اهتماما كبيرا خلال الأشهر الماضية التي تلت سقوط نظام البعث، للتواصل مع مختلف شرائح المجتمع “كي نكون جميعا مساهمين في بناء الدولة”.
وأشار إلى أن مظاهر التكاتف والحوار المجتمعي “لم تعجب الفلول المجرمة التي كانت تريد الشحن الطائفي واستغلت وجود عدة أطياف ومكونات في المحافظة”.
وشدد على أن أحد أبرز دوافع الفلول لخلق الفوضى هو “إدراكهم أنه بعد ترسيخ الاستقرار في المنطقة، ستتوجه السلطات الأمنية للبحث عن المجرمين المتورطين في الدم السوري”.
محافظ اللاذقية لفت كذلك إلى ظهور بعض الجهات عقب اندلاع أحداث الساحل، وإدلائها بتصريحات “ذات طابع طائفي، وحرضت على القتل واستهداف الدولة ومؤسساتها، مما ولّد مشاحنات لدى المجتمع”.
وأكد على حرصهم خلال الأشهر الماضية على منع حصول مثل هذه الحوادث ذات البعد والدافع الطائفي.
** أحداث الساحل
وعن تفاصيل اندلاع أحداث الساحل السوري الأخيرة، قال عثمان إنه حصلت عدة استهدافات لمراكز أمنية وشرطية، قبل أن تقوم مجموعة من الفلول يوم 6 مارس الجاري، باستهداف قوة تابعة للأمن العام “كانت تقوم برفقة قوات من وزارة الدفاع بواجبها الأمني” بريف منطقة جبلة.
وأوضح أن الكمين الذي تعرضت له قوات الإدارة السورية على يد فلول النظام المخلوع، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من عناصر الأمن العام، فضلا عن تعرضهم للمحاصرة جراء كمين.
وأضاف أنه خلال ساعات قليلة كان هناك انتشار لعدد كبير من مسلحي الفلول على الطريق بين طرطوس واللاذقية، وبين اللاذقية وإدلب، تخللها قطع طرق واشتباكات كثيفة.
وأوضح أن هذه التطورات “ولدت موجة من الغضب الشعبي” لدى السوريين في باقي المحافظات، ما دفع بأعداد كبيرة للتوجه إلى الساحل، مقدرا أن يكون أعداد هؤلاء فاقت 50 ألف شخص.
محافظ اللاذقية قال إنهم لم يستطيعوا في البداية “ضبط السيل العارم من هذه الجموع” التي وصلت الساحل خلال الساعات الأولى للأحداث من محافظات ومناطق أخرى، مشيرا إلى أن قسما منهم لم يكونوا منضوين تحت مظلة وزارة الدفاع والأمن العام.
وعن طبيعة الشخصيات المتورطة في تأجيج هذه الأحداث، قال عثمان إن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تتابع هذه التفاصيل، مشيرا في الوقت نفسه إلى تلقيهم معلومات حول وجود ضباط لدى النظام المخلوع ما زالوا مختبئين في جبال اللاذقية، وهم من سعوا لتجييش الناس ضد الدولة.
** أضرار كبيرة
وبشأن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية جراء الأحداث الأخيرة، قال عثمان إن فلول النظام وخارجين عن القانون استهدفوا الخط الرئيسي المغذي لمحافظة اللاذقية بالطاقة الكهربائية (خط 230)، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء وبالتالي توقف خدمة شبكة المياه أيضا في المحافظة.
ولفت إلى وقوع هجمات من الفلول على بعض المشافي في المدينة أيضا، كما حصل في المشفى الوطني والمشفى الجامعي باللاذقية وجبلة.
وتابع: “تم كذلك استهداف الكوادر الطبية وتعطلت الأفران ووسائل النقل، وكذلك توقفت العملية التعليمية في الجامعات والمدارس، وغيرها من مؤسسات المحافظة التي توقف فيها العمل بشكل شبه تام”.
وحول موعد استئناف خدمة الكهرباء في المحافظة، قال عثمان إن الكوادر المختصة تواصل العمل باستمرار لإصلاح الخسائر الناجمة عن هجمات الفلول، متعهد باستئناف الخدمة “في القريب العاجل”.
** استقرار ملحوظ
وفي معرض تقييمه للوضع الأمني الراهن في المحافظة، تطرق عثمان إلى إعلان وزارة الدفاع السورية انتهاء العملية العسكرية بشكل كامل، مبينا أن الأمور باتت حاليا في عهدة الأجهزة الأمنية التي ستتولى المتابعة وعمليات التمشيط المتعلقة بالفلول.
وأفاد بأن الوضع الأمني عاد منذ يومين للاستقرار بشكل ملحوظ، وأن الكثير من المواطنين عادوا إلى منازلهم وأعمالهم، فضلا عن عودة المؤسسات لعملها بشكل أساسي.
وأشار إلى قيامه برفقة وزير الداخلية علي كدة بجولة ميدانية في المحافظة وريفها، مؤخرا، بهدف منح تطمينات للأهالي.
وفي السياق، أكد عثمان أنهم ضاعفوا الكوادر الأمنية التابعة لإدارة الأمن العام في المحافظة، بحيث تغطي المنطقة بشكل كامل.
وتعهد محافظ اللاذقية بمحاسبة “كل من يحاولون تعزيز الفرقة بين السوريين ويسعون لتقسيم سوريا”.
وأكد أن السوريين “أهل بلد واحد جميعهم تحت القانون ولا نميز بين أي شخص وآخر بغض النظر عن الطائفة والعرق”.
** رسالة طمأنة
وتوجه محافظ اللاذقية برسالة إلى بعض الأهالي ممن نزحوا الى القاعدة الروسية في منطقة حميميم، مؤكدا لهم أن الوضع الأمني أصبح أفضل في المحافظة، وأن هناك انتشار للدوريات بهدف تعزيز الواقع الأمني.
وأضاف أن القوات المساندة التي جاءت من خارج الساحل عادت من حيث أتت بعد انتهاء العملية العسكرية.
وتابع: “ندعو جميع أهالينا للاطمئنان والعودة إلى قراهم وبلداتهم وإلى أماكن عملهم الطبيعية كما كانت قبل بدء هذه العملية العسكرية ضد فلول النظام المجرم”.
وأكد أن الإدارة السورية ومنذ سقوط نظام البعث، تسعى بشكل دائم لتعزيز السلم الأهلي في عموم البلاد.
وأردف: “نقف على مسافة واحدة من جميع الأطياف والمكونات السورية ونسعى بكل طاقاتنا لنكون يدا واحدة نبني المحافظة ونبني سوريا المستقبل. سوريا التي تستحق الأفضل. كلنا نسعى أن نكون يدا للبناء وليس يدا الهدم”.
** لجنة التقصي
وفيما يتعلق بمجريات التحقيقات حول الأحداث الأخيرة في الساحل، قال عثمان إن الرئيس السوري أحمد الشرع على تواصل يومي معه منذ بداية الأحداث، للوقوف على أوضاع الأهالي والإجراءات القائمة بالمحافظة لضبط السلم الأهلي.
وأوضح أنهم لا ينكرون حدوث تجاوزات “سواء أكان من أشخاص غير منضوين تحت وزارة الدفاع وإدارة الأمن العام، أو حتى أحياناً من بعض العناصر الموجودين في إدارة الأمن العام أو في وزارة الدفاع”.
وشدد على أنه تم إلقاء القبض على عدد من هؤلاء الأشخاص المشتبه بهم في التورط بتجاوزات، وإحالتهم للسلطات المختصة.
وأفاد بأن لجنة تقصي الحقائق المكلفة بالتحري في التجاوزات في الساحل، تواصلت مع محافظة اللاذقية وستصل المدينة الخميس (اليوم) لمباشرة أعمالها.
وأعرب عثمان عن استعدادهم لتقديم كافة التسهيلات التي من شأنها تسهيل قيام اللجنة بعملها وواجبها، مؤكدا أنها ستجري أيضا تحقيقات ميدانية مع جميع من تضرروا خلال الأحداث الأخيرة.
وشكلت اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق بأحداث الساحل السوري بقرار من الرئيس أحمد الشرع، وتتكون من خمسة قضاة وعميد أمن جنائي، ومحام مدافع عن حقوق الإنسان.
وأنيطت باللجنة “مهام الكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها”.
“وكذلك التحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد المسؤولين عنها، فضلا عن إحالة من يثبت تورطهم بارتكاب الجرائم والانتهاكات إلى القضاء”.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: