رسميًا.. أهمية الذهب الاقتصادية وتحليل العوامل المؤثرة في أسعاره اليوم

الذهب يعد من المعادن الثمينة التي تحظى بأهمية اقتصادية كبرى، فهو ليس مجرد معدن يُستخدم في الحلي والزينة فحسب، بل يعتبر أحد الأصول التي تعتمد عليها الدول والأفراد كجزء من الثروة والاستثمار، ويتقلب سعره يومياً في الأسواق العالمية ما يعكس تأثير عوامل متعددة في سوق الذهب.

الأهمية الاقتصادية لقاعدة الذهب وتأثيرها على النظام النقدي العالمي

لعب الذهب دوراً محورياً في النظام النقدي الدولي عبر التاريخ، حيث سُكّت أولى العملات الذهبية في منطقة ليديا عام 550 قبل الميلاد، ومن ثم انتقل استخدام الذهب كمعيار للعملات قبل انتشار العملات الورقية. اعتمد نظام “قاعدة الذهب” على ربط قيمة العملة الورقية بكمية ثابتة من الذهب، إذ كان يمكن تحويل الأوراق إلى ذهب بسعر محدد، وهو ما أعطى استقراراً للعملات المحلية. بدأت بريطانيا في تبني هذه القاعدة عام 1821، لتتفوق على الفضة كمعدن نقدي عالمي، وتبعتها دول مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة. استمر هذا النظام حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، حيث فرضت قيود على صادرات الذهب وتحولت الدول إلى العملات الورقية غير القابلة للتحويل، ثم انهارت القاعدة مع الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين. بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت مرحلة جديدة حيث عرفت الولايات المتحدة نظام التثبيت عبر تثبيت سعر الذهب بالدولار، إلا أن هذا النظام سقط في عام 1971 عندما ألغت الولايات المتحدة قاعدة الذهب بسبب تراجع احتياطياتها وتزايد عجز ميزان المدفوعات، وانتقل النظام النقدي العالمي للاعتماد على العملات الورقية. ورغم ذلك، تحتفظ البنوك المركزية باحتياطيات ضخمة من الذهب كوسيلة لحماية اقتصاداتها، نظراً لاستقراره النسبي وتقلباته الأقل مقارنة بالأسهم والعملات الأخرى.

دور الذهب في أوقات النزاعات وأثره على استقرار الدول اقتصادياً

يعد الذهب ملاذاً آمناً للشركات والأفراد في ظل الحروب والنزاعات، إذ يسهل نقله وبيعه في أي مكان بالعالم، كما يحافظ على قيمته عكس العملات الورقية التي تتعرض لتقلبات حادة. تمارس الذهب دوراً جوهرياً في سياسات الدول خلال الأزمات، حيث تخزن الحكومات كميات كبيرة منه استعداداً لتفادي تداعيات العقوبات أو الضغوط الاقتصادية. مثالً على ذلك، قامت روسيا بزيادة احتياطيها من الذهب خلال السنوات الماضية، ليشكل الذهب نحو 23٪ من مجموع احتياطياتها في عام 2020، وهو ما عزز موقفها الاقتصادي في ظل العقوبات الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية. ووفقاً لتقارير إعلامية، ضاعفت روسيا احتياطات الذهب في البنك المركزي بما يزيد عن أربعة أضعاف منذ 2010، مستفيدةً من كونها ثالث أكبر منتج للذهب في العالم، مما مكنها من تأسيس “صندوق تمويل الحرب” يعتمد على مزيج من الواردات والاحتياطات المحلية.

العوامل الرئيسية التي تؤثر على أسعار الذهب وتحدد تحركات السوق العالمية

تُشكّل عوامل عرض وطلب الذهب العامل الأساسي في تحديد سعره، فزيادة الطلب وقلة العرض تؤدي لارتفاع السعر والعكس صحيح، مع الأخذ في الاعتبار أن استخراج الذهب يصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت، مما يرفع تكلفته تدريجياً. تؤثر أيضاً معدلات التضخم وأسعار الفائدة على سعر الذهب؛ انخفاض الفائدة وارتفاع التضخم يرفعان قيمته، ونفس الشيء ينطبق على ضعف العملة المحلية التي تدفع إلى زيادة أسعار الذهب. إلى جانب ذلك، تؤدي التقلبات الجيوسياسية وحالة عدم الاستقرار السياسي إلى رفع أسعار الذهب، نظراً لأنه يُنظر إليه كملاذ آمن خلال الفترات المتوترة. وقد لوحظ ارتفاع أسعار الذهب بنسبة تفوق 12% في العام 2022 مرتبطاً بالاضطرابات التي سبّبها الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث لجأ المستثمرون إلى الذهب بدلاً من الأصول عالية المخاطر كنوع من الحماية في ظل ظروف التضخم المتصاعد.

العامل تأثيره على أسعار الذهب
العرض والطلب زيادة الطلب أو نقص العرض ترفع الأسعار، والعكس صحيح
التضخم وأسعار الفائدة ارتفاع التضخم وانخفاض الفائدة يزيدان سعر الذهب
تذبذب العملات ضعف العملة المحلية يدفع لارتفاع سعر الذهب
التقلبات الجيوسياسية عدم الاستقرار السياسي يرفع الطلب على الذهب

يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن الذهب يستمر في أداء دوره كملاذ آمن خلال الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتقلبة، مع اختلاف أنماط استهلاكه بين الدول الصناعية حيث يتفوق الاستهلاك الصناعي، والدول العربية والهند التي يظهر فيها الاستهلاك المنزلي لوجهتي الزينة والادخار، خصوصاً في المناسبات والأعراس، مما يجعل الذهب خياراً استثمارياً متعدد الأغراض وأكثر مرونة في مواجهة تغيرات الأسواق الاقتصادية.