«80 باكو».. عندما تتحدث النساء عن النساء في مساحة آمنة

في مساحات النساء الآمنة، تتفتح أساريرنا على الحكي، فالحكي صفة تُلازم المرأة منذ طفولتها، تسلبها منا مجتمعاتنا وقيود «العيب وما يصحش»، نكبح جماح رغباتنا في التعبير عن ذواتنا حتى نجتمع بين حوائط تكتم أسرارنا، ضعفنا، زلاتنا، بكاءنا، وحتى ضحكاتنا ورقصاتنا وقصصنا القصيرة العابرة.

ومن تلك المساحات، صالونات التجميل أو «الكوافيرات» باللغة العامية الدارجة، أربعة جدران تجتمع فيها النساء من مختلف الخلفيات الثقافية، تمتزج فيها رغبتهن في «الجمال» والحكي معًا، تجلس لساعة وأكثر في انتظار دورك، فتستمع إلى عجائب الدنيا، لقصص حية تصلح لأن تكون مادة أدبية قيمة أو عملًا فنيًا إبداعيًا، لا يحتاج إلا لعين مبدع لنقلها، وهو ما فعله الثنائي غادة عبدالعال وكوثر يونس في «80 باكو».

عندما تتحدث النساء عن النساء

قبل ١٥ عامًا، بدأت مسيرة المؤلفة غادة عبدالعال بعمل كان الأنجح جماهيريًا في رمضان ٢٠١٠، وهو «عايزة أتجوز»، الذي حولت فيه قصص مدونتها التي تحمل الاسم نفسه إلى حلقات منفصلة تخوض فيها البطلة رحلة البحث عن عريس. وعكست ببراعة تجارب الفتيات المؤلمة في تجربة زواج الصالونات بشكل ساخر وكوميدي، ملمسًا واقع بنات الطبقات المتوسطة، ذوات التعليم العالي، وما يتعرضن له من ضغوط مجتمعية صعبة تدفعهن للبحث عن أي عريس وأي زواج.

تناولت «عبدالعال» قصصًا استوحتها من فتيات راسلنها على المدونة وحكين ما تعرضن له من مواقف، فحوّلتها إلى عمل درامي كان قريبًا جدًا من الفتيات وقت عرضه، ولا يزال يحظى بشعبية كبيرة، شجعت منصة كبرى مثل «نتفليكس» على استثماره والتعاون مع غادة لتقديم مصير «عُلا عبدالصبور» بعد الزواج في جزئين حملا اسم «البحث عن علا»، لكنهما لم يحظيا بنفس شعبية «عايزة أتجوز». ولعل الأمر مرتبط بانتقال علا من شوارع القاهرة القديمة إلى أسوار «الكمباوندات»، التي لا تلامس إلا طبقة معينة لا تمثل النسبة الأكبر من المجتمع.

في «80 باكو»، عادت غادة عبدالعال إلى مساحتها الآمنة، الطبقة الأثرى قصصيًا، فئة الفتيات الكادحات من الطبقات المتوسطة والفقيرة، اللواتي يحملن على عاتقهن أعباء أكبر من الزواج، بل الزواج نفسه بالنسبة لهن عبء، مثل «بوسي» بطلة القصة التي جسدت دورها هدى المفتي، والتي نشهد ميلادًا جديدًا لها وتحوّلًا هامًا في موهبتها، ونقطة فارقة في مسيرتها الفنية.

«بوسي» هي وجه آخر لـ«عُلا» الباحثة عن الاستقرار والزواج، ولكن بدوافع مختلفة؛ فهي لا تريد الهروب من سؤال «لسه؟» ولكن للهروب من بطش عمها وزوجته بها وبشقيقتها، فهي تريد فعل أي شيء لتتزوج من حبيبها وتعيش في منزلها الخاص، والذي يكلفهما 80 ألفًا.

وهي وجه آخر لنساء «مقسوم» اللاتي قدّمتهن المخرجة كوثر يونس في فيلمها الروائي الطويل الأول، والذي قدمت فيه أحلامهن وطباعهن، بين هند المصدومة في حبيبها بعدما تركها ليتزوج صديقتها، ورانيا الصديقة التي تزوجت منه لينهي حياتها الفنية ويحوّلها إلى أم وجدة فقط وينسيها كل حقوقها، وإيمي الصديقة الثالثة التي تحاول أن تبقي على نجوميتها وشهرة فرقتهن الثلاثية. تلك الفرقة التي تنجح في أن تجمع الصديقات الثلاث بعد سنوات طويلة من الفراق. يحكي «مقسوم»، كـ«80 باكو»، عن النساء وأحلامهن.

80 باكو.. وعشرات القصص

في رحلة «بوسي» للبحث عن المبلغ المطلوب، نكتشف زوايا أخرى للحكاية؛ حكاية الفتيات اليتيمات المجبرات على العيش في منازل أقاربهن ويتم استغلالهن للعمل والمساعدة في المعيشة، وحكاية «البنات الجدعة» اللواتي يعملن بكد لمساعدة حبيبهن للوصول إلى مرحلة الزواج رغم عدم قدرتهن على الإنفاق، وحكاية «الكوافيرات» والنظرة المجتمعية لهن. فعلى الرغم من أن حبيبها لا يمتلك القوامة الحقيقية، إلا أن والدته تصفها بالكوافيرة كأنها وصمة عار، وبدلًا من أن تدعمها وتحبها لمساندة ابنها، تبدأ هي الأخرى في التفكير في كيفية استغلالها للكسب من ورائها.

وبجانب «بوسي»، نرى قصص زميلاتها في العمل، ورئيستها مدام «لولا». في العمل بين الفتيات، تشتعل الغيرة، ويفرق الشيطان بينهن كثيرًا، لكنهن في النهاية «ما لهنش غير بعض». تفرقهن المنافسة وتجمعهن الأوقات الصعبة، لأن كل واحدة منهن صاحبة قصة حزينة هي الأخرى، فـ«عبير» تسرق إيراد المحل لتمنع عن نفسها ضرب زوجها وتنكيله بها إذا ما عادت إلى المنزل دون أموال يستولي عليها لينفقها على المخدرات، و«فاتن» الشريرة نكتشف أنها تحارب لتنفق على نفسها، لأن لا أهل يسألون عنها بعد وفاة والديها، لكنهم يظهرون لقتلها لطمس عار ظهورها في فيديو على «تيك توك» بدون حجاب! أما مدام «لولا»، فهي سيدة مكافحة، اس…

close