صفاء سلولي: تأشيرة السّفر ووهم الإنسانيّة المشتركة، قراءة في مسرحيّة ” vis-à vis”
صفاء سلولي
” vis-à vis” عمل إبداعيّ من إنتاج مشترك تونسيّ هولنديّ، وُلد تحت إشراف مؤسّسة مسرح العرائس بتونس وقد قُدّمت مؤخّرا في سلسلة من العروض في سهرات رمضانيّة 6-7-8 مارس، بمسرح المبدعين الشبّان.
جماليّة البساطة:
لم يتوجّه مبدعو هذه المسرحيّة إلى تأثيث الفضاء المسرحي بما يجعل الرّكح مزدحما بالتّفاصيل الكثيرة، إنّما كان الاكتفاء بمستطيل معدنّي لفّ بقماش واستغلّ في كلّ مناسبة حسب سياق الحكاية لنراه مرّة خيمة ومرّة غرفة ومرّة ستارا، مع حضور ثلاثة ممثّلين قد استأنسوا بعروستين وحقيبة بمثابة الأشياء الفواعل في الحكاية حركة ودلالة. لم نر الألوان تقريبا، فقد سيطر الأبيض والأسود على المستوى المرئي من المسرحيّة وهو ما يتلاءم مع النّحو الهادئ لهذا الإخراج الفنّي الذّي لم يذهب أصحابه نحو المبالغة في مستوى الدّيكور أو الصّوت أو حتّى زمن عمر العرض في حدّ ذاته لتبلّغ المسرحيّة ما تريد تبليغه في حدود 45 دقيقة لا غير دون أن ينجح الملل في إضجار المتلقّي لأنّ الفراغ غاب في هذه الدّقائق.
مسرح داخل المسرح، تقنية التّضمين:
نُسج السّرد في هذه المسرحية استجابة لتضمين الحَكْي داخل الحكي حتّى نتمكّن من عبور المعنى لنقف عند تراتبيّة الإنسان لسانا وجنسيّة وجنسا. تفتتح المسرحيّة وتغلق بموسيقى تتأصّل في التّراث الموسيقي التّونسي في بنية دائريّة عنوانها الفرح، تُدخل البهجة في فضاء الرّكح والمدارج في تفاعل مباشر على أنغام يتمايل عليها الممثلّون والمتفرّجون على حدّ السّواء ليتحرّر الجسد من ألم الواقع ولو للحظات.
كان التّداخل بين المسرحين من خلال المراوحة بين الشّخصيّات الآدميّة والشّخصيّات الجامدة/المصنوعة، في تواصل واتّصال بينهما:
مسرح عالم البشر:
يظهر “كون” الشّاب القادم من هولندا إلى تونس وفي هذه الرّحلة التطوّعية في البداية، عرف “كون” الشّغف بالمكان وأهله، ليتعرّف على شخصيّة “صابر” في مخيّم بزغوان وتتأسّس بينهما صداقة تتهافت أمامها الحواجز في تبادل عزّزه الفنّ وحبّ الحياة: الاختلاف اللّغوي والهووي بينهما امّحى لأنّ كلّ منهما كان في سعي متواصل لدعم الآخر تعلّما وخَلْقا وقد صنعا العروستين “صابر وكون”امتدادا لعالمهما وبدأ الحلم ينمو يوما بعد يوم كي يُسافر مسرحهما من تونس إلى هولندا.
وهنا يبدأ الإشكال فهما ليسا على نفس الدّرجة في تراتبيّة الكون، حيث الإنسان يُنظر إليه حسب الجغرافيا التّي ينتمي إليها ليقع التطرّق إلى الفيزا 1995 وما تأتّى عن هذه التّأشيرة من جعل عالم البشر عالمين: الأول فيه الحريّة والحقوق موجودة إلى حدّ مّا،والثّاني فيه الحريّة والحقوق مسلوبة إلى حدّ مّا كذلك. ويدوس العالم القويّ “المتقدّم” على كلّ النّصوص والمواثيق الكونيّة ليحكم على مواطن عالم الجنوب أن يبقى محتجزا في حدود لا يمكن أن يتجاوزها بيُسر وإن نجح في ذلك فستستنزف طاقته وكرامته قبل السّفر أصلا بشروط تُجرّد المرء من آدميّته وتشعره بالدّونيّة. وهو ما عاشه “صابر” الذّي دفن تحت كمّ هائل من الوثائق مجازا ورُفض في مرحلة أولى بحجّة أنّ لا علاقة واضحة تربطه ببلده تونس ليسبقه “عزوز” صديقه إلى هولاندا، ثمّ يتمكّن هو من الالتحاق بصديقيه أخيرا.
مسرح الأشياء:
سافر “صابر” من خلال متعلّقاته لا بجسده في مرحلة أولى من مراحل المسرحيّة، فكانت الحقيبة محمّلة بكعك الورقة وريحة النّسري صدى لزغوان التّي أحبّها “كون”، أمّا في كلّ مرّة سكت فيها البشر عن الكلام تحرّكت العروستان “صابر” و “كون” في إيحاء إلى أنّ الإنسان في كلّ أصقاع الدّنيا هو مرتهن لإملاءات القوى الغيبيّة أو البشريّة التّي تجعل الأغلب في صراع مؤلم لا ينقطع بل هو يتعمّق يوما بعد يوم.
مسرح الألم الأمل:
“كون” صدى لــ”أكون أو لا أكون” وهو حقا كان حيث يريد أن يكون دائما دون أن تعطّله وثيقة أو تأشيرة فهو سليل عالم الشّمال، أمّا “صابر الشّريف” يحبّ البلاد والعباد وهو وليد عالم الجنوب مسلوب الثّروة والاعتراف فلا يتحرّك داخل هذا العالم كما يريد إنّما كما يُريد له الآخر ممتلك الأزرار والإمضاءات.
رغم مأساويّة الواقع وما يعرفه البحر من جثث الهاربين من أوطانهم الطّاردة لهم بسبب تردّي الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة فإنّ هذا العمل لم يترجم تراجيديّة الحقيقة كما هي محاكاة لها فقد سرّدها على طريقته بلغة انجليزيّة ولهجة تونسيّة وحلم وصناعة في فرجة ابتعدت كلّ البعد عن سمات التّعقيد والتّعالي والتّهجين، حكاية تشبه حكايات الكثير منّا في خطاب فنيّ كان فيه التّجاوب بين المرئيّات والمسموعات في دعوة للاحتفال بالإنسان في كونيّته دون تصنيف ظالم، فلم يختر أحد منّا الهويّة التّي ينتمي إليه.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم:
نايف السديري سفيراً للسعودية لدى البحرين
ترامب وبوتين لن يأخذا زيلينسكي في الاعتبار خلال المفاوضات
عاجل.. وزيرة التخطيط توضح أبرز قرارات المجلس الأعلى للأجور
وظيفة جامعة.. جامعة مصر للمعلوماتية عن وظائف أعضاء هيئة تدريس في عدد من التخصصات.. سجل هنا
أبرزها القتل والسرقة.. عهد بن غفير يقفز بمعدلات الجريمة في إسرائيل
ملف مصربوست.. نهاية الدور الأول للدوري.. فوز الأهلي
تأكيد سعودي ــ أميركي على الشراكة الاستراتيجية
وزير الإسكان يُصدر قراراً جديدًا التعديات ومخالفات البناء
مبسوط إن الناس بتقلدنا في الخير وبتعمل مسابقات زينا
بيان هام بشأن حالة الطقس غدًا السبت 15 فبراير 2025
ملكة التوقعات.. توقعات ليلي عبداللطيف الأخيرة 2024 سقوط طائرة لن ينجو منها احد