أين يقف طرفا هدنة غزة ووسطاؤها؟

ما زالت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة «حماس» تراوح مكانها بين اقتراحات وتحديثات لمقترحات واجتماعات وفود بين القاهرة والدوحة وتل أبيب.

وتتواصل مساعي الوسيطين القطري والمصري بمتابعة حثيثة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لمحاولة التوصل لاتفاق يبدأ بالإفراج عن رهائن إسرائيليين يحملون الجنسية الأميركية، ومحاولة إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار.

ويتوقع أن تستأنف إسرائيل و«حماس» المفاوضات غير المباشرة في الدوحة، وقال مصدر قريب من المفاوضات إن وفد حركة «حماس» برئاسة كبير المفاوضين خليل الحية غادر القاهرة الأحد، إلى قطر.

وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان، مساء السبت، أن إسرائيل ستواصل المفاوضات غير المباشرة مع «حماس» بشأن استمرار الهدنة الهشة في قطاع غزة.

وفجر الجمعة، قدّمت «حماس» للوسطاء ردّها على مقترح أميركي محدث قدّمه مبعوث ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ينصّ على «الإفراج عن 5 رهائن أحياء، و10 جثث، إلى جانب عدد آخر من الرهائن، ضمن هدنة محددة بـ50 يوماً»؛ غير أن الحركة في ردّها اقترحت أن يتم الإفراج عن رهينة واحدة من الأحياء تحمل الجنسية الأميركية، إلى جانب 4 جثث من حاملي الجنسية المزدوجة، تزامناً مع فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية.

وشمل ردّ «حماس» العديد من المطالب، التي تبدأ من إطلاق مفاوضات المرحلة الثانية فوراً، للتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار دائم وشامل وانسحاب إسرائيلي من مناطق القطاع كافة، بما في ذلك محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على الحدود الفلسطينية – المصرية، وضمان عدم تأجيل المفاوضات لعدم منح إسرائيل فرصة للتلاعب، كما أكدت سابقاً مصادر من الحركة لـ«الشرق الأوسط».

وانتهت المرحلة الأولى من الاتفاق في الأول من مارس (آذار) من دون توافق بشأن المراحل التالية، إلا أن الحرب المفتوحة لم تستأنف.

المعبر والتهجير

واشترطت «حماس» أن يتم فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين، وهو طلب رفضته إسرائيل، وعدّته أميركا مبالغة، بينما تعدّ الحركة أن هذا الشرط يعد مهماً للتصدي لمحاولات تل أبيب وواشنطن المضي قدماً بمخططات تهجير الفلسطينيين.

وترى «حماس» أنه عبر السماح بعودة الغزيين في الخارج، خاصةً أن غالبيتهم يعيشون ظروفاً صعبة بعد خروجهم من القطاع خلال الحرب، قد تُفشل الحركة مخطط التهجير.

ووفقاً لمصادر من «حماس»، فإن ردّ الحركة كان يُعدّ أولياً وفي إطار الردود المتبادلة داخل عملية المفاوضات الجارية، مشيرةً إلى أن الوفد القيادي الذي توجه إلى القاهرة في ساعات ما بعد ظهر الجمعة، بحث تفاصيل ردّ الحركة، والردّ الإسرائيلي عليها.

وبيّنت المصادر أن هناك مطالب من قبل إسرائيل تحاول من خلالها التنصل بطريقة أو بأخرى من الالتزام ببعض القضايا، منها رفضها التام لإعادة فتح معبر رفح، أو الانسحاب بشكل كامل من محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، إلى جانب اشتراطها تقديم «دلائل حياة» بالنسبة لما تبقى من مختطفين، ووضع شروط غير ملائمة تتعلق بإدخال وتسليم المساعدات، وامتناعها عن إدخال البيوت المتنقلة والخيام والمعدات الثقيلة، وربطت كل ذلك باستمرار المفاوضات للتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل.

سلع على شاحنات متوقفة على الجانب المصري من معبر رفح بعد تعليق إسرائيل إدخال المساعدات لغزة (أ.ف.ب)

وقالت المصادر إن «الاتصالات ما زالت جارية مع كل الأطراف من أجل محاولة إيجاد حلول»، مشيرةً إلى «أن الوسطاء، بما فيهم الولايات المتحدة، معنيون بشكل كبير باستمرار وقف إطلاق النار وتمديده لأكبر مدة ممكنة لحين التوصل لاتفاق شامل، خاصةً أننا اقتربنا من أواخر شهر رمضان، وعيد الفطر، وحاجة السكان في غزة لإمدادات الغذاء وغيرها، في ظل إغلاق المعابر ورفض إسرائيل تقديم أي بادرة حسن نية، بإعادة فتحها، للتقدم بالمفاوضات».

ضغوط لمنع الحرب

وتتوقع مصادر «حماس»، التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، حدوث اختراق في المفاوضات الجارية، مشيرةً إلى أن هناك محاولات حثيثة من الوسطاء لتقريب وجهات النظر للعمل على حلّ الأزمة القائمة.

وتشير المصادر إلى وجود ضغوط حقيقية على إسرائيل تمنع حتى الآن عودة الحرب، مؤكدةً أن «حماس» غير معنية هي الأخرى بعودة القتال.

وكان ويتكوف، إلى جانب مجلس الأمن القومي الأميركي، أكدا، الجمعة، تقديم مقترح جديد لـ«تضييق الفجوات»، بهدف تمديد فترة وقف إطلاق النار حتى ما بعد شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي.

أطفال يتدافعون للحصول على وجبة إفطار رمضاني لهم ولذويهم في بيت لاهيا شمال قطاع غزة في 10 مارس الحالي (إ.ب.أ)

وقال البيان المشترك: «أُبلغت (حماس) من خلال شركائنا القطريين والمصريين، بشكل قاطع، بضرورة تنفيذ هذه الخطة قريباً، وإطلاق سراح المواطن الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر فوراً».

وذكرت هيئة البثّ الإسرائيلية العامة، أن إسرائيل ترفض ردّ «حماس»، وما زالت تتمسك بمقترح المبعوث الأميركي، مشيرةً إلى أنها تسعى لمحاولة «زيادة عدد الأسرى الأحياء الذين سيطلق سراحهم من 10 إلى 16 أسيراً، وأن يتم إطلاق سراحهم في اليوم الأول».

وما زالت إسرائيل تتخوف من إمكانية أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً يجبرها على تقديم تنازلات لصالح حركة «حماس»، خاصةً في ظل سعي إدارة ترمب الواضح لمحاولة إطلاق سراح الرهائن الأحياء والأموات من حملة الجنسية الأميركية.

تهديدات إسرائيلية

وفي تصعيد للضغط أثناء التفاوض، نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية، الأحد، أن المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) قد يصادق على خطة عسكرية لاستئناف الحرب بغزة في حال لم يحصل أي تقدم في المفاوضات.

لكن المجلس في اجتماعه، مساء السبت، صادق بأغلبية على الإيعاز لفريق التفاوض بالاستمرار في التواصل مع الوسطاء، في وقت ذكرت فيه هيئة البثّ أنه تم إقرار فرض مزيد من العقوبات على قطاع غزة، ما يؤشر إلى أن الخيار العسكري سيكون آخر الخيارات بالنسبة لتل أبيب.

دبابة إسرائيلية وحولها مجموعة من الجنود خلال العمليات في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي)

وقد تلجأ إسرائيل فعلياً إلى الحرب مجدداً في أي لحظة بسيناريوهات مختلفة عما كانت عليه سابقاً، إلا أنها ما زالت تفضل المسار الدبلوماسي، رغم الدعم الأميركي اللامتناهي على الأقل إعلامياً من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب لاتخاذها أي إجراءات، في حين يحاول مبعوثه ستيف ويتكوف منع عودة القتال، وهو ما أكده أيضاً مسؤولون أميركيون لقيادة «حماس» في اجتماعاتهم بالدوحة مؤخراً، كما أكدت مسبقاً مصادر لـ«الشرق الأوسط».

ولا تستبعد «حماس» أن تُقدم إسرائيل على مثل هذه الخطوة. الأمر الذي دفعها لاتخاذ إجراءات أمنية مشددة تتعلق باختفاء قياداتها مجدداً، وتجنب استخدام الهواتف النقالة وغيرها من الإجراءات، بما في ذلك تفعيل «الرباط» لعناصرها المسلحين في شوارع القطاع، خشيةً من تسلل قوات إسرائيلية خاصة، أو تقدم بريّ علنيّ في بعض المناطق.

close