“إخوتي”.. حكايات مبتورة بلا صراع

بسام سرحان

أثناء المشاهدة لمسلسل “إخوتي”، يطرح في الأفق سؤال مهم، ألا وهو: ما الفرق بين الحدوتة العادية والحدوتة التي تحتمل أن تكون درامية؟ ففي حياتنا الكثير من القصص التي نحكيها لبعضنا البعض، ولكنها لا تتعدى كونها مجرد “يوميات”، أما الأعمال الفنية فيجب أن تحتوي على عنصر مهم لنصنع من خلاله الدراما، وهذا العنصر هو “الصراع”.

حدوتة بلا صراع

في مسلسل “إخوتي”، لم نشاهد صراعًا حقيقيًا سوى في أول أربع حلقات، وذلك لأننا كنا نشاهد قصة عن أربع أخوات نساء. الصغرى منهن حلمت أن زوجها قُتل، وتم تحقيق هذا الحلم في نهاية الحلقة الأولى، ثم تبدأ الأحداث.

هذا السطر جاذب ويخلق الكثير من الصراع النفسي للبطلة صاحبة الحلم، كما يخلق صراعًا بين الأخوات لكشف الحقائق، ومن ثم تبدأ الحبكة في التصاعد.

ولكن ما حدث هو أنه تم ركن هذا الخط الرئيسي للقصة، والاهتمام بخطوط فرعية باهتة لا تخدم الخط الرئيسي ولا تضاهي قوته. لكل بطلة من الأربع أخوات، وضاع الخط الشيق الوحيد في سلسلة لا متناهية من الصدف واليوميات الرتيبة.

تعويض الصراع بعُقد سريعة مصطنعة

وحينما يفتقر النص إلى صراع، يفتقر بالتبعية إلى الانتباه، فالصراع هو الذي يجعل المشاهدين منتبهين إلى العمل ليعرفوا ماذا سيحدث في كل حلقة.

أما حدث هنا تعويضًا عن وجود صراع حقيقي، هو خلق عُقد جديدة في كل حلقة، يتم حلها في الحلقة التي تليها سريعًا، فيتهاوى البناء الدرامي في لحظة.

وشاهدنا ذلك في الشخصية الأهم في المسلسل فرحات “حاتم صلاح”، الذي يخلق المشاكل الصغيرة كل يوم في المسلسل. مرة حينما يسرق شنطة هشام “علي صبحي” التي تحتوي على آثار، ثم سريعًا يتم فض تلك المشكلة وتعود الشنطة إلى “هشام”، ثم مرة أخرى يسرق شنطة أحلام “روبي” حينما يعرف بالصدفة – حينما يزورها بالصدفة لتصلح بينه وبين زوجته ناهد “كندة علوش” – أنها تملك شنطة بها الكثير من الدولارات، ثم ترجع الشنطة إلى صاحبتها سريعًا، ثم الطفل الذي يسرقه ليتبناه مع زوجته، الذي يعود سريعًا إلى مكان سرقته ويعيده مكانه. وهكذا تكون هذه هي “الصراعات” التي تملأ المسلسل، بدلًا من خط ثري ضاع وسط تلك الصراعات المصطنعة، لم يستفد منه المؤلف “مهاب طارق”.

عمل بلا روح

ومع ما ذكرناه، نرى أننا نشاهد عملًا بلا “روح”، كأن آلة هي من كتبته في عصر الذكاء الاصطناعي، فيحاول المخرج المعروف بتميزه “محمد شاكر خضير” خلق أجواء تمنح العمل روحًا باستخدام إضاءة صفراء للتعبير عن الدفء والحنان بين الأخوات الأربعة طوال أحداث المسلسل تقريبًا، والتوظيف الجيد للموسيقى التصويرية لـ”كريم جابر الوايلي” المقتبسة اقتباسًا صريحًا من المسلسل الأمريكي The White Lotus، في دلالة واضحة على استغفال المشاهدين بتلك الموسيقى المعروفة عالميًا.

كذلك نشاهد ثغرات سردية في القصة لم يتم سدها على سبيل المثال: اكتشاف نجلاء “جيهان الشماشرجي” زواج ربيع “أحمد حاتم” عليها بعد مقتله دون الإشارة إلى زوجته الثانية ودورها في القصة بطبيعة الحال.

القاعدة الذهبية للسيناريو

يستخدم “مهاب طارق” القاعدة الذهبية للسيناريو التي يلجأ إليها كل مستسهل في الكتابة، ألا وهي “اجذبهم في البداية وأبهرهم في النهاية ولا يهم ما يحدث في المنتصف”، وعلى الرغم من عدم الإبهار حتى الحلقة الاخيرة من المسلسل إلا أنه بدأ في تجميع الخيوط الباهتة المبعثرة طوال أحداث المسلسل منذ الحلقة الثانية عشر لتلتقي بالخط الأول الجيد عندما تكتشف نجلاء “جيهان الشماشرجي” حقيقة خداع أخواتها لها، وتبدأ في الانتقام منهن واحدة تلو الأخرى بالتسبب لهن في عقبات بخطة محكمة مبنية على أحلامها الكاذبة. ولكن هذا الصراع المختلق في النهاية مبني على سوء تفاهم بين الأخوات،حينما يبررن لها دوافعهن المصحوبة بحسن النوايا، لذلك يكون الصراع ناعمًا وبلا هدف وسهل الحل كعادة أحداث المسلسل منذ البداية.

ربما لو تم خلق صراع حقيقي قوي بين الأخوات من البداية، بدلًا من خلق حالة الدفء والشجن التي تلعب على مشاعر المشاهدين باستخدام أغانٍ قديمة وعصرية بين كل حلقة والأخرى، أو خلق خصم حقيقي يجابه الأخوات طوال أحداث المسلسل، لكان العمل تغيّر وجهته وأصبح يمتاز بالإثارة التي يسعى لها الجمهور.

نرشح لك: انتبه.. «أثينا» قد تراسلك أنت أيضًا 

close