تجدد الاشتباكات على حدود لبنان الشرقية

تجددت الاشتباكات بين الجيش السوري ومسلحي عشائر البقاع على الحدود اللبنانية – السورية في شمال مدينة الهرمل، بعد تعرض بلدة حوش السيد علي لقصف من الجانب السوري، بحسب ما أفادت الوكالة الوطنية للاعلام، ما استدعى رداً من الجيش اللبناني.

وكان هدوء حذر ساد قبل ظهر الاثنين بعد ليلة عنيفة من الاشتباكات بين الجيش السوري ومسلحي عشائر البقاع، وذلك على خلفية مقتل 3 عناصر من «هيئة تحرير الشام» في محيط ريف حمص.

الاشتباكات التي اندلعت مساء الأحد واستمرّت حتى فجر الاثنين، استُخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة؛ بما فيها قذائف المدفعية وراجمات الصواريخ. وأفادت معلومات ميدانية بأن «الجيش السوري استقدم تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع لبنان وطالب بتسليم قاتلي عناصره؛ مما تسبّب في اندلاع المواجهات».

وهذا ما استدعى تدخل الجيش اللبناني الذي نفذ انتشاراً في منطقتَي الهرمل والقصر الواقعتين على الحدود السورية وذات الغالبية الشيعية الموالية لـ«حزب الله». كما ردّ الجيش اللبناني على مصادر النيران التي أتت من الجانب السوري.

ووفق المعلومات، فقد سقطت عشرات القذائف على المناطق اللبنانية المحاذية للحدود السورية، وسط تحليق لمسيّرات «شاهين» السورية على علو منخفض، خصوصاً فوق بلدتي الهرمل والقصر.

والاثنين، قال الجيش اللبناني في بيان له إنه «بعد مقتل سوريَّين وإصابة آخر عند الحدود اللبنانية – السورية في محيط منطقة القصر – الهرمل، نُقل الجريح إلى أحد المستشفيات للمعالجة، وما لبث أن فارق الحياة. على أثر ذلك، نفذ الجيش تدابير أمنية استثنائية، وأجرى اتصالات كثيفة حتى ساعات الصباح الأولى، وسلم بنتيجتها الجثامين الثلاثة إلى الجانب السوري».

وأضاف: «في موازاة ذلك، تعرضت قرى وبلدات لبنانية في المنطقة للقصف من جهة الأراضي السورية، فردّت الوحدات العسكرية على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة، وعمدت إلى تعزيز انتشارها وضبط الوضع الأمني»، مؤكدة أن «الاتصالات تستمر بين قيادة الجيش والسلطات السورية لضبط الأمن والحفاظ على الاستقرار في المنطقة الحدودية».

ومساء الأحد، كانت قد اتهمت وزارة الدفاع السورية «حزب الله» بالوقوف وراء خطف وقتل جنودها الثلاثة، وقالت إن «مسلحين من (حزب الله) عبروا الحدود في ريف حمص وقتلوا 3 من أفراد الجيش السوري». لكن العلاقات الإعلامية في «حزب الله» سارعت إلى نفي هذا الاتهام، وقالت في بيان: «ننفي بشكل قاطع ما يتم تداوله بشأن وجود أي علاقة لـ(حزب الله) ‏بالأحداث التي جرت على الحدود اللبنانية – السورية»، مشددةً على ما سبق أن أعلنت عنه مراراً من أنه «لا علاقة لـ(حزب الله) بأي أحداث تجري داخل ‏الأراضي السورية».‏

ليلة صعبة

وعاش سكّان البلدات اللبنانية المتاخمة للحدود السورية ليلة صعبة على وقع تبادل إطلاق النار والقذائف الصاروخية التي سقط بعضها داخل بلدات القصر وسهلات الماء ودار الواسعة، وسمعت أصداؤها في أرجاء منطقتَي البقاع وشمال عكار؛ مما أدى إلى مقتل طفل في بلدة القصر وجرح عدد من المواطنين.

وأشار مصدر أمني لبناني إلى أن «التطورات الأمنية على الحدود السورية استدعت انتشاراً كثيفاً للجيش (اللبناني) على الحدود، واحتواء التصعيد مع الجانب السوري». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش «نفّذ ليل الأحد انتشاراً واسعاً على طول نقاط التوتر على الحدود الشرقية (البقاع) والشمالية مع سوريا، خصوصاً بعد تعرض مناطق لبنانية لقصف صاروخي من الجانب السوري»، مشيراً إلى أن «مرابض المدفعية التابعة للجيش اللبناني ردّت على مصادر إطلاق النار من الجانب السوري؛ لأن هذا الاستهداف شكل انتهاكاً لسيادة الدولة اللبنانية، خصوصاً أن الجانب السوري لم يطلع الدولة اللبنانية مسبقاً على ما حصل وأسباب التوتر».

في غضون ذلك، لفت المصدر الأمني إلى «اتصالات مكثّفة بين البلدين لاحتواء التصعيد الذي لا يصبّ في مصلحة أحد». وشدد على أن الدولة «لن تسمح بوجود مسلحين في الجانب اللبناني على الحدود؛ سواء أكانوا من (حزب الله) أم العشائر أم حتى من المواطنين، وإذا كانت هناك مشكلة مع الجانب السوري، فإنها تعالَج عبر قنوات الاتصال بين الدولتين».

عناصر من الجيش السوري يتجهون على متن دبابة نحو الحدود مع لبنان (رويترز)

ويسود الشارع اللبناني توتر على خلفية معلومات تتحدث عن اعتقال قوات الأمن السورية شابين لبنانيين هما محمد مدلج ونورس مدلج، فجر الاثنين داخل الأراضي السوري، وأفادت المعلومات لاحقاً بأنه «عُثر على جثتيهما في منطقة السدّ مطربا القريبة من الحدود اللبنانية، ولا تزال جثتاهما في الداخل السوري». إلا إن المصدر الأمني أوضح أن «الجيش اللبناني يجري اتصالاته للتأكد من صحة هذه المعلومات».

وتسعى عشائر البقاع إلى عدم تحميل «حزب الله» مسؤولية ما جرى على الحدود الشرقية، ورأى مسؤول في إحدى عشائر البقاع أن «أبناء المنطقة سيدافعون عن بيوتهم وعائلاتهم». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يتدخّل الجيش اللبناني للدفاع عنا وعن أرضنا نقف خلف الجيش وندعمه، لكننا لا نقف مكتوفي اليدين أمام استباحة بلداتنا والتهديد باقتلاعنا من أرضنا»، مثنياً على «سرعة انتشار الجيش وردّه على القصف الذي طال بلدات لبنانية». وأضاف: «لسنا هواة معارك مع أحد، وكلّ ما نريده هو أن نعيش بأمان إلى جانب أشقائنا السوريين، لكن شرط أن نعيش بكرامة لا أن نبقى عرضة للتهديد الأمني كلّ يوم». ودعا المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، الدولة إلى «إجراء تحقيق في حادثة قتل السوريين الثلاثة ومحاكمة من يثبت تورطهم في الجريمة، ولا غطاء لأحد».

close