د. محمد حسن سعد: الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا: التداعيات، والسيناريوهات المستقبلية
د. محمد حسن سعد
تعيش العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا في خضم تحول غير مسبوق، حيث يزداد التوتر بشكل لافت بين البلدين في ظل تصاعد الحرب التجارية التي باتت تؤثر على جوانب عديدة من التعاون بين الجارتين، كما وتؤثر بشكل عميق على الإقتصاد الدولي. هذه الحرب التي بدأت مع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير عام 2025، ليست مجرد صراع إقتصادي عابر بل هي انعكاس لتضارب المصالح والأيديولوجيات السياسية بينهما، فمع صعود مارك كارني إلى سدة رئاسة الحكومة الكندية، اشتد النزاع ليأخذ طابعاً أكثر تعقيداً، حيث تتداخل فيه قضايا السيادة الوطنية والمصالح الإقتصادية والرهانات الجيوسياسية الكبرى.
1 ـــ الحرب التجارية: جذورها وأسبابها
تعود جذور النزاع التجاري بين الولايات المتحدة وكندا إلى بداية عهد الرئيس دونالد ترامب في كانون الثاني/يناير عام 2025، الذي يتبنى أيديولوجية “أميركا أولاً”، والتي تهدف إلى حماية وتعزيز الصناعة المحلية الأميركية، هذه الأيديولوجية التي تقوم على تعزيز الهيمنة الإقتصادية للولايات المتحدة من خلال إتخاذ خطوات إقتصادية عدائية تجاه الحلفاء التقليديين مثل كندا، جاءت في سياق قلق أميركي متزايد من فقدان الوظائف لصالح الدول التي تفرض أسعاراً أقل على منتجاتها، ومن أبرز هذه الإجراءات فرض ترامب لرسوم جمركية صارمة على واردات الصلب والألومنيوم، في محاولة للحد من المنافسة وحماية الصناعات الأميركية.
أ ـــ زيادة الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم
في عام 2025، فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على الألومنيوم القادمة من كندا، في خطوة اعتبرها ترامب ضرورية لحماية الصناعات الأميركية من “المنافسة غير العادلة” التي يمثلها تدفق المعادن بأسعار منخفضة من كندا. هذه الإجراءات التي استهدفت عدة دول، كانت لها آثار خاصة على كندا نظراً لأهمية صادراتها المعدنية إلى السوق الأميركين هذا من جهة، من جهة أخرى اعتبرت كندا هذه الرسوم غير مبررة، واعتبرتها تهديداً لآلاف الوظائف في قطاعي الصلب والألومنيوم، ورداً على ذلك، فرضت كندا رسوماً جمركية على جملة من السلع الأميركية من ضمنها رسوماً منتقاة ومختارة على عدد السلع الأميركية المنتجة في ولايات أميركية تعتبر معاقل للحزب الجمهوري، في خطوة تكشف عن نية كندية واضحة مقصودة لاستهداف القاعدة والحاضنة الانتخابية لترامب بهدف تأليبها ضده وإضعاف نفوذه في تلك الولايات.
ب ـــ الاتهامات المتعلقة بالمخدرات والهجرة غير الشرعية
من بين الدوافع الأخرى التي قد تكون وراء هذه الحرب التجارية، اعتقاد الرئيس ترامب بأن كندا تمثل نقطة دخول رئيسية للمخدرات، وخاصة الفنتانيل، إلى الولايات المتحدة عبر الحدود الشمالية، مما ساهم في تفشي المخدرات في البلاد، بالإضافة إلى ذلك وجه ترامب إتهاماتٍ لكندا بتسهيل دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة، مما زاد من حدة التوترات بين البلدين. وقد استخدم ترامب هذه القضايا الأمنية إلى جانب التصعيد المتعلق بالرسوم الجمركية، كمبرر لتشديد القيود الإقتصادية والجمركية على كندا، معتبراً أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الأمن القومي الأميركي ومعالجة التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في مجالات الهجرة غير الشرعية ومكافحة المخدرات.
ج ـــ الرسوم الجمركية على منتجات الألبان
قضية أخرى شكلت نقطة خلاف بين البلدين هي الرسوم الجمركية التي فرضتها كندا على منتجات الألبان الأميركية، والتي وصفها الرئيس ترامب بأنها “مناهضة للمزارعين الأميركيين”، إذ تُعد صناعة الألبان في الولايات المتحدة واحدة من أكبر القطاعات الزراعية، وقد اعتبر ترامب هذه الرسوم ضربةً مباشرةً لمصالح المزارعين الأميركيين. وقد أصبحت هذه القضية محوراً رئيسياً في مفاوضات التجارة بين البلدين، مما دفع ترامب إلى التهديد بفرض رسوم جمركية إضافية على السيارات الكندية كوسيلة للضغط على كندا لإلغاء تلك الرسوم، مما زاد من حدة التصعيد المتبادل بين الجانبين.
2 ـــ ردود الفعل الكندية: موقف ثابت ودفاع عن السيادة الوطنية
مع تولي مارك كارني رئاسة الحكومة الكندية في 10 آذار/مارس عام 2025، إتخذت كندا موقفاً حازماً وصارماً ضد سياسات الرئيس الأميركي ترامب، مؤكدةً رفضها لأي شكل من أشكال الهيمنة الإقتصادية أو السياسية من جانب الولايات المتحدة. وقد جاء التصعيد الكندي في هذه الحرب التجارية ليعكس تمسك كندا بسيادتها الإقتصادية وإستقلالها السياسي، حيث أكد كارني أن كندا لن تسمح بفرض مواقف تهدد مصالحها، ولن تكون جزءاً من الولايات المتحدة تحت أي ظرف، على الرغم من العلاقة الإقتصادية الوثيقة التي تربط البلدين.
أ ـــ التهديد بقطع الكهرباء
في سياق الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة وكندا، أعلن رئيس مقاطعة أونتاريو، دوج فورد، عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الكهرباء المصدرة إلى ولايات مينيسوتا وميشيغان ونيويورك، بالإضافة إلى التهديد بقطع الإمدادات الكهربائية عن هذه الولايات. وجاء هذا الموقف رداً على الإجراءات التجارية التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً، والتي أثارت توتراً غير مسبوق بين البلدين. وأكد فورد أن حكومته مستعدة لزيادة هذه الرسوم بشكل أكبر في حال استمرت الولايات المتحدة في تصعيد تعريفاتها الجمركية ضد كندا، كما عبّر عن تعاطفه مع الشعب الأميركي، مشيراً إلى أنه لم يكن طرفاً في هذه الحرب التجارية، لكنه سيتحمل تبعات سياسات رئيسه. وقد أثارت هذه التهديدات ردود فعل غاضبة من جانب ترامب، الذي لوّح عبر منصته “سوشيال تروث” بإمكانية إعلان حالة الطوارئ الوطنية في الولايات المتضررة، في خطوة تعكس تصاعد حدة الأزمة بين البلدين، يذكر أن دوج فورد عاد وتراجع عن قراره بفرض رسوم على الكهرباء الكندية المصدرة للولايات المتحدة الاميركية، عقب تهديد ترامب برفع الرسوم الجمركية بنسبة 50% على الصادرات الكندية للوايات المتحدة.
ب ـــ تصريحات كارني الحاسمة
لقد عبّر مارك كارني رئيس الوزراء الكندي الجديد، عن موقفه الرافض للسياسات الأميركية بشكل قاطع، واعتبر أن كندا لن تصبح أبداً ولاية أميركية رقم 51، وهو التصريح الذي أثار موجة من التوتر الدبلوماسي، وأكد كارني أن بلاده ستواصل الحفاظ على مصالحها القومية وأنها ستنتصر في النهاية في حرب التجارة مع واشنطن.
3 ـــ الأبعاد الجيوسياسية والتنافس على الموارد
لا تقتصر الحرب التجارية بين كندا والولايات المتحدة على البعد الإقتصادي فحسب، بل تعكس صراعاً أوسع يتعلق بالتنافس الجيوسياسي، فمنذ تولي ترامب منصبه أشار إلى أهمية كندا باعتبارها إحدى أكبر مخزونات الموارد الطبيعية في العالم، وخاصة النفط والغاز والمعادن، وتتمتع كندا باحتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية التي تشمل النفط الرملي والغاز الطبيعي والمعادن الثمينة مثل الذهب والنحاس، وهو ما يجعلها هدفاً جذاباً بالنسبة لواشنطن في إطار إستراتيجية ترامب للتوسع الجغرافي والإقتصادي.
4 ـــ السيناريوهات المستقبلية للصراع التجاري
مع تصاعد الأزمة بين البلدين، فإن هناك العديد من السيناريوهات الممكنة التي يمكن أن تترتب على إستمرار الحرب التجارية:
أ ـــ تصاعد الحرب التجارية
في هذا السيناريو، من المحتمل أن تواصل الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية جديدة على واردات كندية إضافية، مما سيدفع كندا إلى الرد بشكل مماثل، وقد يتفاقم النزاع بشكل يؤدي إلى تضرر واسع للعديد من الصناعات الأساسية مثل السيارات والصلب والطاقة، وهو ما سيؤدي إلى تقويض العلاقات الإقتصادية بين البلدين. وقد يكون لهذا السيناريو تداعيات سلبية على الإقتصاد العالمي بسبب تبادل الضغوط الإقتصادية بين أكبر إقتصادات القارة.
ب ـــ التعاون الإقتصادي والصفقات الاستراتيجية
من ناحية أخرى، قد تشهد هذه الحرب التجارية تحولاً نحو تعاون أكبر بين البلدين، إذا تم التوصل إلى إتفاق حول تقاسم الموارد الطبيعية أو تخفيف الرسوم الجمركية، فمثل هذه الإتفاقات قد يكون مفتاحاً لتخفيف التوترات المستمرة بين البلدين وتعزيز التعاون في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والتجارة.
ج ـــ الضم الكندي للولايات المتحدة: سيناريو مستبعد
رغم أن هذا السيناريو يبقى مستبعداً في الوقت الراهن، فإن تصريحات ترامب السابقة حول ضم كندا إلى الولايات المتحدة قد تظل تؤثر على مجريات الأحداث، ومع ذلك لا يبدو أن الشعب الكندي يرحب بهذا التصور، مما يجعل هذا الخيار صعب التنفيذ، وقد تكون الإستراتيجية الأميركية في هذا الإتجاه أكثر نزاعاً من كونها تسوية دبلوماسية.
ختاماً، إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وكندا تتجاوز كونها نزاعاً تجارياً عادياً، لتصبح صراعاً سياسياً وإقتصادياً وجيوسياسياً. وستظل هذه الحرب محط أنظار العالم، مع الأخذ في الاعتبار أن نتائجها ستؤثر بشكل كبير على العلاقات الدولية في أميركا الشمالية وعلى الإقتصاد العالمي، ومهما كانت النهاية التي ستسفر عنها هذه الحرب، فإن التوترات المتصاعدة بين كندا والولايات المتحدة تشير إلى أن العلاقات بين الجارتين ستظل في مرحلة تحولات حاسمة، وستكون واحدة من أعظم القضايا التي ستشكل ملامح الإقتصاد العالمي في السنوات القادمة.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم:
8 دول في تحالف "أوبك +" تعود لزيادة الإنتاج تدريجيا أبريل المقبل
سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه المصري اليوم الاثنين 10-2-2025
أبو مرزوق تحدث عن”إقتطاع وإجتزاء” عبارات صحيحة لكن خارج سياقها
سعر الدينار الكويتي اليوم الاثنين 13-1-2025 في البنك المركزي المصري
الزمالك والأهلي.. الجميع في انتظار الأحمر
أبو شامة: القضية الفلسطينية تحتاج لأفكار خارج الصندوق لإنقاذ الشعب من الإبادة في غزة والضفة
خالد الغندور: صراع بين السويحلي والاتحاد الليبيين لضم كهربا ونادي خليجي يدخل على خط المفاوضات
الهلال السعودي يتخذ قرارًا يثير استياء سالم الدوسري
المنتج محسن جابر يكشف أسرار لأول مرة في حبر سري مع أسما إبراهيم
بث مباشر.. مشاهدة مباراة أربيل وزاخو في الدوري العراقي
العروبة ينتظر «النصر» - أخبار السعودية
عبد العزيز عبد الشافي: أُحذر من مشاركة لاعب الأهلي أمام الزمالك.. وجراديشار أثبت وجوده