هل يُمكن للوسطاء إعادة الاتفاق إلى مساره؟

فيما عدّه مراقبون «انهياراً بمسار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة»، فاجأ قصف إسرائيلي واسع، القطاع، مع مرور أكثر من أسبوعين من انتهاء المرحلة الأولى من الهدنة، وفشل محادثات تمديدها، مع تمسك حركة «حماس» بالذهاب لنظيرتها الثانية ورفض حكومة بنيامين نتنياهو.

مصر التي استضافت آخر محادثات مع وفد إسرائيلي بالقاهرة، الأحد، أدانت القصف، ودعت لوقفه وإتاحة الفرصة لاستكمال الوسطاء جهودهم للوصول إلى وقف دائم لإطلاق نار بالقطاع، فيما دعت قطر إلى حوار فوري.

ويرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن العودة للاتفاق «ممكنة لكن بشروط»؛ منها تجنب واشنطن الانحراف عن مسار الوساطة والانحياز لإسرائيل في ضربتها الجديدة، خشية توسع الصراع بالمنطقة مجدداً، والذهاب لاتفاق مرحلي لوقف مؤقت لإطلاق النار.

وبينما تحدثت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، التي تعد بلادها أحد أطراف الوساطة، عن أن إسرائيل تشاورت مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن غاراتها على غزة، الثلاثاء، دعا الوسيطان المصري والقطري لـ«حوار وتهدئة»، وأكدا «إدانتهما تلك الغارات».

وأكدت مصر، في بيان لوزارة الخارجية، أن الغارات «تشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وتصعيداً خطيراً ينذر بعواقب وخيمة على استقرار المنطقة»، مطالبة الأطراف بضبط النفس، وإتاحة الفرصة للوسطاء لاستكمال جهودهم للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار.

فلسطينيون يحملون جثةً انتُشلت من بين أنقاض منزل دمرته غارات إسرائيلية في حي الشجاعية شرق غزة (أ.ف.ب)

كما عدت قطر، في بيان لـ«الخارجية»، «استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة تحدياً سافراً للإرادة الدولية الداعمة للسلام، بما في ذلك اتفاق وقف إطلاق النار»، مؤكدة «الحاجة الماسة إلى استئناف الحوار من أجل تنفيذ مراحل اتفاق وقف إطلاق النار وصولاً إلى إنهاء الحرب على قطاع غزة».

الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، يرى أن «مصر تجري اتصالات بكافة الأطراف منذ استئناف الحرب، وتسعى لوقف إطلاق النار وإعادة المحادثات لمسارها الصحيح»، مشيراً إلى إمكانية العودة لذلك المسار حسب الضغط الذي سيمارس على الأطراف، خاصة أنه لا حرب تنتهي إلا بمفاوضات واتصالات، واعتبر أن الضوء الأخضر الأميركي لإسرائيل محاولة لزيادة تلك الضغوط على «حماس».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن مصر وقطر تحاولان إنقاذ الاتفاق منذ اللحظات الأولى من استئناف القتال، وتسعيان للعودة للهدنة، وهذا ممكن شريطة عدم الانحياز من واشنطن لإسرائيل؛ وإلا فالمنطقة ستزداد اضطراباتها، مشيراً إلى أن «انقلاب الإدارة الأميركية على الاتفاق يعني أننا إزاء مساعٍ لتعديل الاتفاق الحالي وصعوبات ستواجه استئناف المفاوضات حالياً».

في المقابل، قال الناطق باسم «حماس»، عبد اللطيف القانوع، الثلاثاء، إن الحركة تعمل مع الوسطاء من أجل لجم العدوان الإسرائيلي، مشدداً على أنها «حريصة على استكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ووقف شلال الدم».

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة خلال وقت سابق (إ.ب.أ)

وبعد الغارات التي خلفت مئات القتلى والمصابين، أمر الجيش الإسرائيلي السكان بإخلاء شرق غزة والتوجه نحو وسط القطاع، ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الهجوم على غزة قد يتوقف إذا وافقت حركة «حماس» على اتفاق لإطلاق سراح مزيد من المحتجزين، لافتاً إلى أن الغارات «هي المرحلة الأولى في سلسلة عمليات عسكرية تصعيدية تهدف إلى الضغط على (حماس) للإفراج عن المزيد من الرهائن».

فيما صرح مصدر مسؤول في حركة «حماس»، بأن أحد الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة قُتل، وأُصيب آخران، فجر الثلاثاء. ونقلت وكالة «معا» الفلسطينية عن المصدر قوله إن الحادثة وقعت نتيجة الغارات الإسرائيلية على القطاع، بينما اتهمت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين، في بيان، الحكومة الإسرائيلية بالتخلي عن حياة المحتجزين في غزة عقب تجدد الهجمات الإسرائيلية على القطاع.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن «حماس» تلقت ضربات قاسية مع استئناف الحرب، ولن تقبل بوقف إطلاق نار دون ضمانات حقيقية لأن ذلك سيشكل خطراً كبيراً على تنفيذ الاتفاق ذاته، وبالتالي لن ترفع الراية، مشدداً على أن نتنياهو يدرك أنه لا سبيل لإعادة أسراه إلا بالتهدئة، وبالتالي الأقرب أننا نرى ضغوطاً بالتصعيد العسكري للذهاب لوقف مؤقت لإطلاق النار مقابل أسرى.

ويرجح فرج أن «الوسطاء أمام ساعات حاسمة نحو بدء مفاوضات جديدة لوقف مؤقت لإطلاق النار بناء على زيادة عدد الرهائن»، متوقعاً أن «حماس» ستكون مجبرة تحت الوضع الإنساني الصعب في غزة والغارات والخسائر أن تذهب لاتفاق مرحلي جديد.

close