حكومة موازية.. هل تنتظر السودان تجربة ليبيا؟

تثير ظهور الحكومة الموازية في السودان قلقًا كبيرًا حول احتمال تحول البلاد إلى نموذج مشابه لليبيا، إذ يشير تشكيل تحالف “تأسيس” بين قوات “الدعم السريع” والحركة الشعبية وطوائف أخرى إلى أزمة سياسية عميقة قد تفضي إلى انقسام السلطة، وهو ما يبحث عنه العديد من المهتمين بفهم مستقبل السودان السياسي في ظل هذه التطورات.

تفسير علاقة الحكومة الموازية في السودان بمأزق ليبيا السياسي

يُعد التشبيه بين السودان وليبيا في سياق وجود حكومتين متوازيتين تطورًا يغلب عليه الطابع السلبي ولم يُبنَ على تحليل موضوعي لخصوصيات كلا البلدين، فالسودان يمتلك تاريخًا جيوسياسيًا مختلفًا، حيث لم تكن مدنه الرئيسية مثل دارفور والخرطوم متنافرة كطرابلس وبنغازي في ليبيا، كما أن الوحدة التاريخية بين أقاليم السودان أكثر تماسُكًا من حالة الانقسام في ليبيا. علاوة على ذلك، تعد السلطة العسكرية السودانية مؤسسة وعريقة تحتفل بمرور قرن من الزمن على تأسيسها، وتظهر قدرة على مواجهة التحديات الداخلية رغم وجود الحكومة الموازية، بخلاف ليبيا التي شهدت تفككًا كاملًا للجيش الوطني، مما أدى إلى سيطرة الميليشيات.

البنية السياسية والعسكرية في السودان وليبيا: الاختلافات الحاسمة

نشأة الجيش السوداني على أسس مهنية، وتوزع فروعه جغرافيًا والسيطرة التي يمارسها على معظم المناطق، يجعل مفهوم “الحكومة الموازية في السودان” يختلف جذريًّا عن الأوضاع التي مرت بها ليبيا، حيث لم ينجح العقيد معمر القذافي في بناء جيش موحد. في ليبيا، انهارت المؤسسة العسكرية إثر توترات داخلية وتفكك في القيادة، مما خلق فراغًا أمنيًّا ملؤته ميليشيات متصارعة تسيطر على مرافق الدولة ومصادر التمويل دون وجود قيادة مركزية. لهذا السبب، لا يمكن مساواة ما يحدث في السودان بما حدث في ليبيا دون التفكير بعمق في التاريخ العسكري والسياسي لكل بلد.

لماذا لا يشبه الموازية السياسية في السودان الأزمة الليبية؟

تكمن الفروق الكبرى في سياق تشكل الحكومة الموازية في السودان عن الأزمة الليبية في عدة نقاط:

  • تاريخ التكوين السياسي: السودان خرج من استعمار مشترك وإن كان محددًا بين أجزاء مختلفة، لكنه ظل وحدة واحدة تحت الإدارة البريطانية المصرية، بخلاف ليبيا التي كانت دولتين منفصلتين ضمها الاستعمار الإيطالي قسرًا.
  • وجود قوات مسلحة موحدة ذات قيادة مهنية في السودان، تستطيع الحفاظ على توازن ظل هشًا لكنه قائم.
  • غياب جيش وطني مركزي في ليبيا أدّى إلى سيطرة فرق مسلحة متعددة على الأرض ومنابع الدولة، وهو ما لم يحدث في السودان رغم وجود الحكومة الموازية.
  • ارتباط القوى المسلحة في السودان بأطر تاريخية وعشائرية، وهو ما يخلق شبكة معقدة للإدارة والتوازن، خلافًا للاشتباكات الفوضوية بين الميليشيات الليبية.

يميل كثير من المنتقدين والمتتبعين إلى المبالغة في مقارنة تطورات السودان بالوضع الليبي، مستندين إلى عنصر الخوف من تفاقم الصراعات، لكن قراءة عميقة لتاريخ البلدين ومؤسساتهما تثبت أن السودان يمتلك بنية متينة أفضل من ليبيا، مما يحد من احتمالية أن تصبح الحكومة الموازية هناك نسخة من الأزمة الليبية.

يبقى من الضروري أن تدرك جميع الأطراف في السودان أن بناء دولة مستقرة يتطلب تجاوز حالة الانقسام المحتملة، والحفاظ على مؤسسات وطنية قوية، بعيدًا عن التشبيهات السطحية التي تخدم أحيانًا أغراضًا سياسية مؤقتة، وهو ما يظهر بوضوح عند مقارنة حكومات الضرار في ليبيا مع تجربة السودان التي ما تزال صامدة أمام تجاذبات السلطة، بينما في ليبيا سادت الفوضى الأمنية والاحتكام إلى السلاح بدلًا من الحوار والكيان الوطني المتماسك.