هاتف ذكي.. د.محمد عسكر يناقش تأثير الأجهزة الحديثة داخل الأسرة

الهاتف في بيتنا صار كائنًا لا يمكن الاستغناء عنه، فهو ليس مجرد جهاز إلكتروني عادي بل هو محور حياتنا اليومية ومصدر تغييرها كاملاً؛ هذا الهاتف الذي أصبح يُحكم البيت بقوانينه الخاصة، يحكم تصرفاتنا ويحرك مشاعرنا باحترافية لا متناهية ويعيد تشكيل عاداتنا بطرق لم نتوقعها سابقًا.

كيف تحكم الهاتف في تفاصيل حياتنا اليومية وتغير أنماط السلوك

في البداية، كان الهاتف جهازًا خجولًا وقليل التأثير، لكن مع مرور الوقت، تحول إلى سيد الموقف داخل المنزل؛ أمي التي كانت تعتمد على ذاكرتها في إعداد الطعام أصبحت اليوم لا تفارق شاشة الهاتف، تبحث عن وصفات طبخ عبر “اليوتيوب” و”تيك توك” بكل جدية؛ تتابع تفاصيل الوصفات كما لو أنها تكشف أسرار الحياة، لكن الهاتف لا يتركها تكمل بسهولة، إذ يقاطعها بإعلانات مفاجئة تُفسد طهي المأكولات فتكون النتيجة دائمةً هي اللجوء إلى وجبات بسيطة مثل “ساندويتشات الجبنة”.

أما أبي، فقد استبدل عادة قراءة الجريدة الصباحية بكوب الشاي، ليقضي وقتًا طويلاً على “واتساب” بين مجموعات كثيرة تتنوع بين الاجتماعية والثقافية وحتى المبالغ في نقاشاتها غير المجدية مثل مواضيع طريفة حول كون الطماطم فاكهة أم خضار؛ الهاتف هنا لم يكن مجرد وسيلة للتواصل، بل تحول إلى بوابة للحكمة المزيفة في نظره، حيث يصرُّ على صحة رأيه بناءً على منشورات في مجموعات الدردشة.

دور الهاتف في حياة الأطفال والشباب وتأثيره على العائلة

أما أخي الصغير، فالحديث عنه يختلف، فالهاتف بالنسبة له هو شريك الحياة الذي لا ينفصل عنه، يُحكم قبضته على أوقات فراغه وأمزجته؛ يقضي ساعات طويلة في لعب “بابجي”، ويتحدث إلى أصدقائه بحماسٍ يشبه القائد في معركة حاسمة، ويرفض التوقف حتى لو كان ذلك على حساب الطعام والراحة، ويتعلّل بـ “الزون” و”النت الضعيف” و”الجهاز الرخيص” كأعذار تدعى تقليل مسؤوليته.

حتى أنا، لم أكن محصّنًا من تأثير الهاتف؛ بدأت متابعة الأخبار ثم انتقلت إلى مقاطع الفيديو الترفيهية التي تحولت إلى دوامة من المقاطع الغريبة والمثيرة للاهتمام، مثل قطط تؤدي حركات بهلوانية، وأغرب الأشياء التي تم العثور عليها في المحيط، مرورًا بفيديوهات “افعلها بنفسك” التي جعلتني أشعر وكأن بإمكاني تنفيذ مشاريع ضخمة بأبسط الأدوات في المنزل، والحقيقة أن الهاتف بألعابه ونصائحه جعلني أقضي ساعات طويلة دون أن أشعر بالوقت، وكل ذلك تحت إشراف إشعارات لا تنقطع.

طرق التحكم في استخدام الهاتف لتحقيق توازن صحي في الحياة العائلية

قد يبدو الهاتف نعمة ومصدرًا يسهل الكثير من الأمور، لكنه أيضًا يمثل تحديًا كبيرًا لكل فرد داخل الأسرة، فهو:

  • يُشتت الانتباه في لحظات مهمة ويؤثر على جودة التفاعل العائلي
  • يسرق الوقت الذي كان يُقضى في أنشطة مفيدة أو تواصل مباشر
  • يُغري المستخدمين بالإدمان على متابعة مقاطع غير مفيدة ومثيرة للإلهاء
  • يضيف أعباء نفسية بسبب كثرة الإشعارات والمعلومات المتداولة على تطبيقاته

لذلك، يصبح من الضروري وضع حدود لاستخدام الهاتف داخل البيت، مثل وضع أوقات محددة للاستخدام والتشجيع على التفاعل الأسري بعيدًا عن الشاشات، وذلك للحفاظ على توازن صحي بين كل الأشخاص الذين يعيشون تحت سقف واحد.

في النهاية، أصبح الهاتف في بيتنا أكثر من مجرد وسيلة اتصال؛ هو محور النشاط ومصدر التأثير في سلوكنا وأفكارنا اليومية؛ قد يكون صديقًا أو عدوًا حسب طريقة تعاملنا معه، يسيطر على قراراتنا ويشغل أوقاتنا حتى نطرح السؤال الأخير: هل نحن نستخدم الهاتف، أم أن الهاتف هو من يستخدمنا؟ وبين هذا وذاك، تظل حياتنا تدور حول إشعاراته التي لا تتوقف، وحضورٍ لا يمكن إنكاره.