السعودية والسودان 2025: هل تفتح الحرب أمام الرياض بوابة دور إقليمي أوسع؟

تدخل الولايات المتحدة لإنهاء الأزمة السودانية جاء استجابة لطلب مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي سعى إلى رفع مستوى التعامل مع هذا الملف الحيوي. هذا التحرك يعكس أهمية السودان الاستراتيجية، خصوصًا لموقعه على البحر الأحمر، الذي يعد محورًا أمنيًا وجيوسياسيًا واقتصاديًا بالغ الأهمية للمملكة وللمنطقة بشكل عام.

أهمية البحر الأحمر للسعودية وتأثير الأزمة السودانية على الأمن الإقليمي

تعتبر السعودية استقرار السودان، المطل على البحر الأحمر، عنصرًا أساسيًا في معادلة الأمن الإقليمي؛ نظرًا لموقعه على ممر ملاحي دولي حيوي يربط بين قارات العالم. يتعلق الجانب الأمني بضمان سلامة السفن التجارية وحماية طرق إمدادات الطاقة الحيوية، ما يمنع أي تأثر سلبي في موازين النفوذ الإقليمي. من الناحية الاقتصادية، يشكل البحر الأحمر شريانًا مهمًا لمشاريع رؤية السعودية 2030، التي تشمل تطوير الموانئ والاستثمارات الصناعية والسياحية على الساحل الغربي، إلى جانب دوره في ربط المملكة بالأسواق العالمية. أما جيوسياسيًا، فهو منصة لتعزيز حضور السعودية في القرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية، خصوصًا في ظل المنافسة المحتدمة بين القوى الإقليمية والدولية. وبهذا، يتجاوز البحر الأحمر كونه حدودًا بحرية ليصبح أداة استراتيجية تعزز بها السعودية مكانتها في المنطقة. وفقًا للكاتب السعودي عبد العزيز منيف بن رازن، فإن استمرار الأزمة السودانية يهدد أمن الملاحة في هذا الممر البحري العالمي، مما يجعل من الأزمة أولوية استراتيجية جدية للسعودية.

تحويل ملف السودان من وساطة وزارية إلى دعم رئاسي وتعزيز دور السعودية الدبلوماسي

تسعى السعودية إلى تعزيز دورها كقوة دبلوماسية معترف بها دوليًا في السودان، مما يمنحها قدرة أكبر على التأثير في الأطراف المتنازعة، مع الحفاظ على صورتها كوسيط نزيه. ووفقًا لرئيس تحرير صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني، فإن محاولة ولي العهد رفع مستوى التعاطي مع الأزمة من إطار اللجنة الرباعية الوزارية إلى الصدارة الرئاسية تهدف إلى تسريع الحلول. هذا التحرك لم يغير هيكلة اللجنة، لكنه رفع موضوع السودان إلى مستوى القيادة العليا، ما يعزز من اهتمام دولي أكبر بالملف. وتسير السعودية بخطة مزدوجة تشمل تعزيز شرعيتها الدولية كجهة قادرة على إدارة أزمات المنطقة، وتوفير أداة ضغط للتفاوض مع شركاء إقليميين، في ظل تباين وجهات النظر دون خلافات حقيقية بين الرياض وأبوظبي حول السودان. وتبقى مبادرة اللجنة الرباعية التي تضم السعودية ودولًا أخرى أساسًا للعمل، حيث تتضمن خارطة طريق تشمل هدنة لمدة ثلاثة أشهر تتبعها عملية سياسية طويلة الأمد تمتد لتسعة أشهر، مع توقع تحمل الجانب الأمريكي مسؤولية أكبر في دعم هذه المبادرة.

السعودية والدبلوماسية الشبكية: تعزيز نفوذ المملكة عبر الوساطة متعددة الأطراف

تسير السعودية بخطى ثابتة نحو اعتماد سياسة دبلوماسية مرنة ترتكز على الوساطة متعددة الأطراف، ما يتيح لها الاستفادة من ثقل القوى الكبرى دون الدخول في صراعات مباشرة. هذه الدبلوماسية الشبكية تعبر عن رغبة المملكة بالانتقال من دور متلقي تداعيات الأزمات إلى صانع توازن إقليمي ودولي. ويعد الملف السوداني، لما يحمله من أبعاد أمنية وجغرافية وسياسية مرتبطة بالبحر الأحمر والقرن الإفريقي، فرصة مناسبة لاختبار هذا النموذج وتعزيز مكانة السعودية كوسيط محوري. تستغل الرياض تواصلها مع واشنطن لتوسيع نفوذها، معتمدة على تحالفات مرنة تدمج بين القوى الدولية والفاعلين الإقليميين، ما يترجم تموضعًا استراتيجيًا يعكس دبلوماسية متجددة قائمة على تعدد قنوات التواصل وتعزيز حضورها في ملفات حساسة.

بهذه الخطوات، يُظهر التحرك السعودي في الملف السوداني بعدًا استراتيجيًا أعمق لا يقتصر على حل الأزمة فقط، بل يسعى لصياغة دور جديد للمملكة في السياسة الخارجية يعكس مرونتها واستراتيجياتها الحديثة لإدارة الأزمات وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة.