ذعر جماعي في أمريكا.. خروج آلاف من بيوتهم أمام غزو مُريخي 1938

بث حرب العوالم الإذاعي في عام 1938 يُعد حدثاً تاريخياً أثار موجة من الرعب بين ملايين الأمريكيين؛ فقد أدّى تقديم أورسون ويلز لنسخة درامية من رواية إتش جي ويلز إلى اعتقاد بعض المستمعين بغزو مريخي حقيقي، خاصة مع التوترات السياسية في أوروبا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. وقد بُثّ البرنامج في ليلة قريبة من عيد الهالوين، مما زاد من إثارته، وأصبح واحداً من أبرز اللحظات في تاريخ الإذاعة التي غيّرت نظرة الجمهور إلى الإعلام.

تحضيرات بث حرب العوالم الإذاعي

بدأت القصة مع الرواية الشهيرة لإتش جي ويلز الصادرة عام 1897، والتي تصف هجوماً من المريخ على الأرض؛ حيث تسقط أسطوانات معدنية في ريف إنجلترا، ويواجه الجيش البريطاني آلات حربية هائلة مزودة بأسلحة مدمرة. في عام 1938، تولى الشاب هوارد كوتش مهمة التكييف الإذاعي، محتفظاً بالعناصر الأساسية مثل وصف المخلوقات والأسلحة، لكنه قلّص الرواية إلى جوهرها الدرامي. قرر الفريق نقل مجرّد الغزو إلى نيوجيرسي في الولايات المتحدة ليتناسب مع السياق المحلي، مما جعل القصة أكثر قرباً من الجمهور الأمريكي. اختار كوتش موقع الهبوط عشوائياً عبر خريطة، فسقط القلم على بلدة غروفرز ميل الصغيرة، التي أصبحت مركز الأحداث الخيالية. في استوديو سي بي إس بمدينة نيويورك، جلس أورسون ويلز خلف الميكروفون، يقود فريقاً من الممثلين الذين أعدّوا حِيلاً صوتية لتعزيز الواقعية، مثل مقاطعة الموسيقى التصويرية بتقارير إخبارية مفاجئة عن تطورات الوضع.

عناصر الإثارة في بث حرب العوالم

انطلق بث حرب العوالم ببطء، يبدأ بأربع دقائق من المقدمة التي فاتت بعض المستمعين الذين انضموا متأخّرين بعد انتهاء برنامج آخر، فسمعوا فقط تقارير إخبارية مقتطعة تتحدث عن انفجارات وغزو غامض. أضاف الفريق لمسة واقعية باستخدام ممثل يقلّد صوت الرئيس فرانكلين روزفلت، الذي يخاطب الأمة قائلاً إن الخطر وشيك، مما دفع الذعر إلى ذروته؛ إذ روى ويلز لاحقاً أن هذه اللحظة بالذات أطلقت الناس إلى الشوارع. تبع ذلك وصف حيّ من صحافي إذاعي يروي تدمير الغابات وتقدّم المريخيين، ثم جاءت الخدعة الأقوى: فترات صمت مطوّلة في البث، تعقّبها صوت ميكروفون يسقط وصوت وحيد يسأل عن وجود أحد على الهواء. هذه التقنيات، مع إجمالي مستمعين بلغ ستة ملايين، حوّلت الخيال إلى كابوس يبدو حقيقياً في زمن يسوده الخوف من الفاشية والحرب، خاصة بعد غزو ألمانيا لتشيكوسلوفاكيا شهراً واحداً فقط قبل البث.

لتوضيح الخطوات التي ساهمت في نجاح بث حرب العوالم الإذاعي، إليك التفاصيل الرئيسية:

• تكييف الرواية للسياق الأمريكي بنقل موقع الهبوط إلى نيوجيرسي.
• استخدام تقارير إخبارية مقتطعة لخلق إحساس بالطوارئ الفعلية.
• تقليد صوت الرئيس روزفلت لتعزيز الشرعية السياسية.
• إدراج فترات صمت درامية لزيادة التوتر العاطفي.
• وصف حيّ من قبل ممثل يلعب دور الصحافي في الميدان.
• البث في توقيت مناسب قريب من عيد الهالوين لتعزيز الجو الغامض.

الفوضى الناتجة عن بث حرب العوالم

أدّى بث حرب العوالم إلى فوضى حقيقية في الشوارع، حيث قاد الناس سياراتهم بسرعات تصل إلى 125 ميلاً في الساعة نحو التلال، متجاهلين إشارات الشرطة التي حاولت إيقافهم. في غروفرز ميل، ترك السكان منازلهم مذعورين، يحملون مصابيح كيروسين وأسلحة، مقتنعين بأن المريخيين يقتربون؛ إذ روى أحدهم في مقابلة لاحقة شعوره بالشك في عودته إلى المنزل، متخيلاً أن باحثي الآثار سيعثرون يوماً على أطلاله كدليل على هجرة بسبب غزو فضائي. وصل آخرون إلى بحيرة المدينة ليجدُوا حشوداً فقط، لا مخلوقات عملاقة، مما زاد من غضبهم عند معرفة الحقيقة. سجّل الحدث إصابات طفيفة دون وفيات، ودفَع السلطات إلى تشديد الرقابة على الإعلام، مع اقتراح قوانين فيدرالية لمنع التقارير الكاذبة عن الكوارث.

مع مرور السنوات، أصبح بث حرب العوالم درساً في قوة الإعلام، وفتح أبواب الشهرة لأورسون ويلز الذي أنتج فيما بعد “المواطن كين”، بينما ساهم هوارد كوتش في نجاح “كازابلانكا”.