أسعار الخدمات تتأثر بشكل غير مسبوق بطفرة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد اليوم

الانفجار الاقتصادي المدفوع بالذكاء الاصطناعي العام يفتح آفاقًا جديدة غير مسبوقة للنمو، حيث ينتقل العالم من نسب نمو دنيا إلى إمكانية تحقيق زيادات سنوية تصل إلى عشرات النسب، محفزًا تغييرات هائلة في سوق العمل، الإنتاج، وأسواق المال، رغم التحديات التي يواجهها العامل البشري.

توقعات النمو الاقتصادي السنوي في عصر الذكاء الاصطناعي العام

شهد النمو الاقتصادي العالمي عبر آلاف السنين زحفًا بطيئًا لا يتجاوز 0.1% سنويًا حتى نهاية القرن السابع عشر، ما يعني مضي آلاف السنين لمضاعفة حجم الاقتصاد، لكن الثورة الصناعية قلبت هذا المنحنى من خلال تعزيز الإنتاجية لتصل إلى متوسط نمو 2.8% في القرن العشرين؛ وهو قفز تاريخي. اليوم، يضع الذكاء الاصطناعي العام العالم أمام فرص غير مسبوقة على صعيد النمو الاقتصادي السنوي؛ إذ يراهن كثيرون من رواد التكنولوجيا، لاسيما سام ألتمان المدير التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي”، على قدرته في المستقبل القريب على أداء المهام المكتبية بكفاءة تفوق البشر، معززين بذلك احتمالات تحقيق معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي العالمي بين 20% و30%، أرقام كان من الصعب تخيلها سابقًا. هذه التوقعات تُظهر أن النمو الاقتصادي المدفوع بالذكاء الاصطناعي العام يحمل في طياته انفجارًا إنتاجيًا قد يعيد تشكيل أسواق العمل والسلع والخدمات والأصول المالية بشكل جذري، وهو ما لم يكن يتوقعه كثيرون في التاريخ الاقتصادي.

كيف يغير الذكاء الاصطناعي العام أساسيات النمو الاقتصادي التقليدي؟

النمو الاقتصادي الكلاسيكي كان يعتمد على زيادة عدد السكان كعامل أساسي في زيادة الإنتاج، رغم محدودية تأثير ذلك على تحسين مستوى المعيشة، وفق ما اشرحه الاقتصادي مالتوس في السابق، قبل أن تقلب الثورة الصناعية هذه النظرة لصالح الأفكار والابتكار. في هذا السياق، يُعد الذكاء الاصطناعي العام بمثابة نقلة نوعية جديدة؛ إذ لا يرتبط الإنتاج فيه بعدد البشر، بل بسرعة التطور التكنولوجي وتطوير الآلات لقدراتها ذاتيًا. ويشير “أنسون هو” من مركز “إيبوخ إيه آي” إلى إمكانية أن تصبح الآلات قادرة على مضاعفة كفاءتها وإحداث نمو غير محدود نظريًا. لكن الباحثين مثل فيليب تراميل وأنتون كورينيك يحذرون من أن أتمتة الإنتاج ليست كافية بمفردها بدون تسريع الابتكار عبر مختبرات ذكاء اصطناعي مؤتمتة بالكامل متوقعة بحلول 2027، ما يُبرز أهمية دمج التكنولوجيا مع الابتكار لتحقيق النمو المتسارع.

تحديات الاستثمار والعامل البشري في ظل النمو الاقتصادي المدفوع بالذكاء الاصطناعي العام

تدعو نماذج الذكاء الاصطناعي العام إلى انفجار استثماري هائل يتطلب رأس مال ضخم لتطوير البنى التحتية، الطاقة، ومراكز البيانات، حيث توقع مشروع “ستارغيت” من شركة أوبن إيه آي تكلفة تصل إلى 500 مليار دولار، مع تمويل ممتد يتطلب استثمارات تصل إلى 25 تريليون دولار في 2025 وحده. يرافق هذا الانفجار ارتفاع متوقع في أسعار الفائدة الحقيقية بسبب تفضيل الأفراد للإنفاق بدل الادخار، مما يستدعي رفع العوائد لجذب الاستثمارات، وهو ما أشار إليه الاقتصادي فرانك رامزي. هذا التوازن المعقد بين النمو والعائد يخلق حالة من الغموض بشأن تأثيره على أسعار الأصول، رغم تحقيق الشركات أرباحًا متسارعة.
أما العامل البشري، فيواجه تحولات جذرية؛ فالذكاء الاصطناعي العام قد يقلل الحاجة للعمالة البشرية، خاصة مع انخفاض تكلفة تشغيل الآلات وتقليل الأجور القصوى الممكن دفعها للبشر، مما يؤدي إلى انتقال جميع العوائد لرأس المال، وفق دراسة ويليام نوردهاوس الحائز نوبل. أصحاب الأصول الرأسمالية سيكونون الأكثر استفادة، بينما يعاني غير المالكين من هشاشة اقتصادية. ومع ذلك، قد ترتفع أجور المهن التي يصعب أتمتتها مثل التعليم ورعاية الأطفال، بسبب حاجة تلك القطاعات لتفاعل بشري لا يمكن تعويضه بالكامل، في حين ستتراجع القوة الشرائية لمن ينتقل للعمل في القطاعات اليدوية المكثفة نتيجة ارتفاع تكلفة الخدمات مقابل السلع المؤتمتة.

  • زيادة الطلب على رأس المال للاستثمار في البنية التحتية والبيانات والطاقة
  • ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية لجذب الادخار
  • تحديات تقليص فرص العمل للبشر مع تقدم الذكاء الاصطناعي
  • ارتفاع أجور القطاعات التي يصعب أتمتتها
  • تآكل القوة الشرائية في القطاعات اليدوية مقارنة بالسلع المؤتمتة

المشروع/النموذج التكلفة المتوقعة (مليارات دولار)
مشروع “ستارغيت” من أوبن إيه آي 500
الاستثمار الأمثل في الذكاء الاصطناعي لعام 2025 25,000

يتقدم العالم نحو لحظة تُعرف بـ”التفرد الاقتصادي”، حيث تصبح المعلومات قادرة على توليد معلومات من دون قيود مادية؛ وهي نقطة تحول نظرية في مسار الذكاء الاصطناعي، بالرغم من الجدل حول إمكانية تحققها، إلا أن بلوغ معدل نمو 20% سنويًا قد يشكل انتهى حقبة لاقتصاداتنا التقليدية. مع ذلك، لا تزال الأسواق غير مستعدة بالكامل لاستيعاب هذا السيناريو، حيث تشير الدراسات إلى أن إعلانات نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة غالبًا ما تؤدي إلى انخفاض في عوائد السندات، ما يدل على تعاطف غير متوقع من المستثمرين تجاه وعود وادي السيليكون.

أما الأفراد، فالنصيحة المتكررة بينهم تتمثل في “امتلاك رأس المال” ليتمكنوا من الاستفادة من الانفجار الاقتصادي المحتمل؛ ومع ذلك، يبقى من الصعب تحديد نوع الأصول الأمثل بسبب التعقيدات الاقتصادية، بين ارتفاع الفائدة، التضخم، والحاجة لاستثمارات ضخمة. وحيث قال روبرت لوكاس، أحد أبرز منظّري النمو، أن التفكير في آثار النمو الاقتصادي على الرفاه البشري يجعل من الصعب التفكير في أي شيء آخر، فإن الذكاء الاصطناعي العام يضاعف هذه الأهمية ويزيد من إلحاحها.