في ذكرى غياب الأم.. فيروز وزياد يغنيان لحظة الفقد المؤلمة

كانت لحظة الوداع أمام نعش زياد الرحباني تعبيراً مؤثراً عن الحزن العميق، حيث تجمع آلاف المعزين في كنيسة رقاد السيّدة في بلدة المحيدثة – بكفيا الجبلية، ليودّعوا الموسيقار الراحل الذي ترك أثرًا كبيرًا في الموسيقى العربية، محاطين بحضور فيروز التي بدت كالنواة التي تدور حولها كل القلوب في تلك اللحظة. الكلمة المفتاحية الطويلة التي تدور حولها تفاصيل هذا الحضور وتأثيره هي: “في حضور فيروز عند نعش زياد الرحباني”.

البعيدة القريبة: في حضور فيروز عند نعش زياد الرحباني

غياب فيروز وحضورها دائماً ما كانا محل جدل واسع، فقد اعتاد جمهورها على فترات ابتعادها الطويلة عن الساحة الفنية، حيث اختارت العزلة والبعد عن الأضواء دون أن تغادر قلوب محبّيها؛ فوجودها وسط الحشود في جنازة ابنها زياد كان مفاجأة أذهلت الجميع وأثارت مشاعر خليطَة من الحزن والدهشة. هذه المسافة التي فرضتها، لم تقلل من مكانتها كأيقونة تعيش في وجدان الملايين، بل زادت من غيابها تشويقًا وحضورًا في آنٍ واحد، إذ يراها البعض بعيدة رغم القرب، تماماً كما في أغنيتها الشهيرة “نجمة كفرغار”. وفي رأي كثيرين، هذا الغياب حكمة نابعة من إدراكها أن الكلام قد لا يضيف أو ينقص، وسط أجواء تشكيك وتدخلات أحيانًا، والكل يريد أن تمثل فيروز نسخته الخاصة.

يتدثرون بمنديلها: حضرة فيروز المؤثرة في نعش زياد الرحباني

آخر ظهور علني لفيروز كان في سبتمبر 2020، حين قلدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسام جوقة الشرف الفرنسي، وسط ظروف وطنية صعبة كالأزمة المالية وانفجار المرفأ؛ مما رسّخ المزيد من مكانتها كنجم يضيء في سماء لبنان. ومع جلوسها بجانب نعش ابنها في جنازته، تجسدت لحظة حزينة ليست لشخصها الخاضع للحداد فقط، بل لوطن يعاني من الخسارات المتلاحقة، حين أراد الناس أن يتدثروا بمنديلها الأسود رمزاً للراحة والسلام في زمن الألم، وكأنهم يلتقطون من حضورها الطمأنينة التي تحتاجها نفوسهم. فيروز، رغم التعب والشيخوخة، بقيت محاطة بأحبائها الذين حرصوا على حمايتها، وهذا ما لمس الجميع خلال الساعات التي قضتها بين الحاضرين، حيث ظهرت محاطة بابنتها ريما ومحاميها فوزي مطران.

الأم الحزينة: رمزية فيروز في جنازة ابنها زياد الرحباني

ظهرت فيروز بجانب نعش زياد مرتدية الملابس السوداء، تذكر الجميع بصورها في ترانيم الجمعة العظيمة التي ترمز إلى الحزن والتأمل؛ وهو طقس اعتاد الجمهور رؤيتها فيه، ما أكسبها لقب “الأم الحزينة” على مواقع التواصل، مستوحى من صورة مريم العذراء في صلوات الرثاء المسيحية. في الأذهان، ترتبط الأم بالابن بصورة مقدسة، ومرتبط ذلك شكلًا ومضمونًا بمشهد الفقدان والخسارة. إلى جانب الحداد الشخصي، هناك حداد أعمق على العلاقة الفنية الفريدة بين فيروز وابنها: حيث لم يكن زياد مجرد وريث مدرسة الرحابنة، بل كان صوتاً خاصاً قادته نحو مسارات جديدة، اصطدم بالإرث، وجادل صورتها كمغنية أبدعت في الكشف عن أوجه هشاشة ورغبات عميقة متنوعة، مما أعاد تعريف صوت فيروز بشكل مغاير، وأضفى عليه بتلات جديدة من التعبير العاطفي والقصصي، من خلال أعمال مثل “كيفك إنت”، و”بلا ولا شي”، و”كبيرة المزحة”.

كانت هذه العلاقة الاستثنائية التي جمعت الأم والابن، بمثابة جسر موسيقي وفني، عكس تطوراً في مسيرة واحدة من أشهر الأصوات العربية، وتألقاً لا ينطفئ في ذاكرة الأجيال. ومن خلال لحظتها المهيبة عند نعش زياد الرحباني، بدت فيروز كأنها تختم مشوار أغنيتهما الأخيرة، مجسدةً أسمى معاني الأمومة والحزن والفن في آن واحد.