أطباء مصريون يتقاطرون على غزة… لكن قوائم الجرحى طويلة

قطع طبيب جراحة العظام المصري، حازم دياب، سفره في الخارج، بمجرد إبلاغه أنه سيكون ضمن أول وفد من الأطباء المصريين المسافرين إلى غزة، بعد وقف إطلاق النار. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «انتظرت هذه الرسالة لنحو عام، منذ سجلت بياناتي في يناير (كانون الثاني) 2024 لدى نقابة الأطباء، كراغب في التطوع ضمن فرق الإغاثة».

وسجل «أكثر من 2000 طبيب مصري بياناتهم للسفر»، حسب مقرر لجنة «مصر العطاء» في نقابة الأطباء، والأمين العام المساعد للنقابة، خالد أمين، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن تطورات الحرب وغلق معبر رفح طوال الأشهر الماضية، منذ مايو (أيار) الماضي، لم تُمكنهم من دخول غزة، لكن «الآن الوضع تغير إلى حد ما، ومن الضروري سفر وفود عديدة، محملة بالمساعدات الإعاشية والطبية».

9 ساعات استغرقتها رحلة دياب، الاستشاري الشاب، رفقة 11 من الأطباء وممرضة واحدة، من القاهرة إلى غزة، عبر محطات عدة، حيث دخلوا من معبر رفح المصري إلى معبر كرم أبو سالم، وهناك خضعت المساعدات للتفتيش، ثم دخلوا رفح الفلسطينية، الأحد الماضي ليلاً.

تفاجأ الوفد المصري بالظلام الدامس الذي يغرق القطاع ليلاً، وتفقدوا حجم الدمار الكبير عبر «فلاشات» الهواتف وضوء الحافلة. وفي صباح اليوم التالي، كان الدمار أوضح، يقول دياب: «كل المنازل تقريباً مهدمة، الدمار هائل، ورغم ذلك يقيم الناس الأسواق. تجري حركة بيع وشراء. ينصب الغزيون خيامهم على ركام منازلهم، أو يسدون فجوات جدرانهم المهشمة بقطع قماش أو بلاستيك ويواصلون الحياة».

ويعد الوفد الطبي المصري الأول «وحدة متكاملة»، حسب مقرر لجنة «مصر العطاء» الذي أكد الحرص على تنوع الوفد، ووجود كل التخصصات اللازمة لمباشرة العمليات، من أطباء جراحة وتخدير وحتى ممرضة عمليات، وتخصص نساء وتجميل، وكذلك معدات وأدوية.

وتحدث أمين عن «وفد أكبر في عدد الأطباء والمستلزمات والمساعدات، سيلحق بالوفد الأول خلال أيام».

غزيون ينصبون خيمة على ركام منزلهم المهدم (صورة التقطها الطبيب المصري حازم دياب)

يتنقل الوفد المصري بين مستشفى «غزة الأوروبي» في رفح، و«ناصر» بخان يونس، لإجراء العمليات والكشف على المرضى. لاحظ دياب أن الكثير منهم أطفال.

ويقدر «الجهاز المركزي للإحصاء» في فلسطين، الأطفال كأكثر ضحايا العدوان على قطاع غزة، حيث قُتل 17 ألفاً و881 طفلاً من بين 48 ألفاً و219 ضحية، بخلاف آلاف المصابين.

وفي يونيو (حزيران) 2024، قدرت الأمم المتحدة أن 10 أطفال يفقدون أحد أطرافهم يومياً في قطاع غزة بسبب الحرب.

وأجرى الفريق المصري الذي يضم طبيبتين، حتى ظهر الأربعاء الماضي؛ أي خلال يومَي عمل فقط، 14 عملية جراحية دقيقة، حسب دياب. ولا تزال قوائم الانتظار طويلة.

وأثنى رئيس قسم جراحة العظام في مستشفى «غزة الأوروبي»، الدكتور جمال أبو هلال، على وصول الوفد المصري ومباشرته للحالات وعلاج المرضى، في فيديو عبر الصفحة الرسمية لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة بتاريخ 12 فبراير (شباط) الحالي، مشيراً إلى أنهم على مدار 10 أيام سيجرون جراحات دقيقة في تخصصات مثل جراحة الكاحل والكتف والترميم وأورام العظام.

لكن الطبيب دياب توقع أن يمكث أكثر من 10 أيام، قائلاً إنه سيظل موجوداً في غزة «طالما كان القطاع في حاجة لي»، تاركاً خلفه عمله الخاص، وأسرته المكونة من زوجة وطفلين في الرابعة والسادسة، على حد قوله.

وقدمت مصر مساعدات طبية ضخمة، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ما بين أدوية ومستلزمات طبية، وكذلك استقبال آلاف المرضى وعلاجهم في مصر.

ويعلق الأمين المساعد لنقابة الأطباء المصرية، بأنهم ليسوا الوحيدين الراغبين في التوجه لغزة وتقديم واجب الإغاثة، مشيراً إلى أنهم ينسقون مع نقابات مهنية أخرى، في مقدمتها نقابة المهندسين التي أكدت لهم أن كثيراً من أعضائها مستعدون للذهاب إلى غزة والمشاركة في عملية إعادة الإعمار، وأضاف: «لكن التوقيت حالياً يعطي الأولوية للفرق الطبية».

الطبيب حازم دياب يلتقط «سيلفي» صحبة عدد من أعضاء الوفد الطبي الأول في غزة (الشرق الأوسط)

واستقبلت مصر نحو 12 ألف مصاب ومريض، منهم 2500 طفل، خلال المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار، والتي دخلت حيز النفاذ في 19 يناير الماضي، حسب محافظ شمال سيناء، اللواء خالد مجاور، في تصريحات تلفزيونية، الخميس الماضي. كما قدم «الهلال الأحمر المصري» 17 سيارة إسعاف إلى «الهلال الأحمر الفلسطيني» حتى 7 فبراير الحالي.

ترك دياب في مصر أحاديث متواترة عن مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتهجير فلسطينيي غزة، والموقف المصري الرافض لذلك رسمياً وشعبياً، لكن في غزة لم يلحظ دياب استحواذ الأمر على المساحة نفسها من النقاش، يقول: «الأمر هزلي بالنسبة لهم، الكل يؤكد أنهم لن يتركوا أراضيهم، ويثنون على موقف مصر».

ويشير مقرر لجنة «مصر العطاء» إلى الموقف السياسي الذي تحمله وفود النقابة إلى جانب الموقف الإغاثي، موضحاً أن «الهدف توفير سبل الحياة للفلسطينيين داخل أراضيهم، لا خروجهم منها؛ لذا حين يذهب إليهم الأطباء، وفيما بعدُ المهندسون والعمال لإعادة الإعمار، يكون ذلك بمثابة رد عملي على مخطط التهجير».

ولن تقتصر الجهود على الوفود الطبية التي ستتمكن من دخول غزة، حسب أمين الذي أشار إلى أنهم يعملون حالياً على إعداد آلية لتوفير كشوفات طبية واستشارات عن بعد، سواء للحالات اليومية العادية أو حتى الحالات الحرجة، والتي لن يستطيع كبار الأطباء والمتخصصين السفر إليها.

close