تأثير قانون أوروبا الأخضر على شراكة الغاز بين الاتحاد الأوروبي وقطر: كيف تتغير الموازين؟

تأتي التحذيرات القطرية بشأن قانون العناية الواجبة في الاستدامة المؤسسية كرسالة واضحة تحمل في طيّاتها تهديدًا بإعادة توجيه صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق بديلة خارج الاتحاد الأوروبي، إذا لم يُجرَ تعديل جوهري على هذا القانون الذي أثار جدلاً كبيرًا بين الدوحة وبروكسل.

التلويح ببدائل استراتيجية: رسالة قطرية رسمية وتحذير صريح

في رسالة رسمية أرسلها وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي إلى الحكومة البلجيكية بتاريخ 21 مايو/أيار، أكدت قطر موقفها الحازم تجاه توجيه الاتحاد الأوروبي الخاص بقانون العناية الواجبة (CSDDD) الذي يفرض على الشركات الكبرى كشف مشاكل حقوق الإنسان والبيئة في سلاسل الإمداد. وصرح الوزير بوضوح أن قطر وشركة قطر للطاقة قد تلجآن إلى البحث عن أسواق بديلة لبيع الغاز ومنتجات أخرى إذا لم تحدث تعديلات تراعي واقع الأعمال. وقد أفادت وكالة رويترز بأن هذه الرسالة ليست الأولى من نوعها، إذ أرسلت قطر بذلك رسالة مماثلة أخرى في 13 مايو/أيار، فيما لاتزال المفاوضات جارية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول تعديل متطلبات القانون وتأجيل تطبيقه حتى منتصف 2028.

قانون العناية الواجبة وأسباب معارضة قطر له

يُلزم قانون العناية الواجبة الجديد، الذي دخل حيز التشريع الأوروبي في يونيو/حزيران 2024، الشركات الكبرى في قطاعات حيوية عديدة منها الطاقة بتقييم شبكة التوريد والتأكد من امتثالها لمعايير بيئية واجتماعية صارمة، تشمل منع انتهاكات حقوق الإنسان وحماية البيئة بشكل فعال، مع فرض غرامات تصل حتى 5% من إجمالي الإيرادات السنوية العالمية. هذا الالتزام القانوني الجديد يشكل عبئًا ماليًا وقانونيًا كبيرًا على قطر كمصدر رئيسي لصادرات الغاز إلى أوروبا، وهو ما يعكس قلق الدوحة من استدامة علاقاتها السوقية مع الاتحاد الأوروبي ويدفعها إلى إعادة تقييم استراتيجيات التصدير، خصوصًا مع بداية تطبيق القانون تدريجيًا من 2027.

أساس التهديد القطري بإعادة توجيه صادرات الغاز الطبيعي المسال

يرى الخبير القطري عبد العزيز الدليمي أن قانون العناية الواجبة يشكل تحديًا كبيرًا لصادرات الغاز المسال من قطر إلى السوق الأوروبية، لما يفرض من أعباء مالية وقانونية على مختلف الأطراف المشاركة في الإنتاج والتشغيل، بما في ذلك المقاولون. وأكد أن تطبيق القانون بما هو عليه سيجعل التصدير إلى أوروبا غير مجدٍ اقتصاديًا، مع احتمالية وقوع خسائر مالية مباشرة على الدوحة، وهو ما يتعارض مع المنطق التجاري السليم. ولدى سؤال الدليمي عن احتمالية أن تكون التهديدات مجرد ورقة ضغط تفاوضية، قال إن قطر قد تلجأ فعليًا إلى وقف الإمدادات إذا استمر الاتحاد الأوروبي في تطبيق القانون بحذافيره، رغم رغبتها في التفاوض لتحسين الجوانب التقنية والبيئية دون أن تتحمل كلفة مالية مشروطة. ورجح أن المفاوضات ستفضي إلى تعديلات تراعي الجانبين إذا توافرت الإرادة السياسية المطلوبة.

تداعيات الخلاف على أزمة الطاقة الأوروبية والحاجة لبدائل

تكشف التصريحات القطرية عن هشاشة الأمن الطاقي الأوروبي في ظل الاعتماد الكبير على الغاز المستورد، لا سيما بعد تراجع الإمدادات الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا. فقد تحولت أوروبا إلى الغاز القطري كمصدر بديل وإستراتيجي يصعب الاستغناء عنه بسهولة. ويربط الدليمي احتمالية حدوث أزمة طاقة في أوروبا بقرار الدوحة النهائي فيما يتعلق بالتصدير، مشيرًا إلى عدم توفر بدائل أمريكية أو كندية كافية لحل هذه المشكلة على المدى القصير. كما أشار إلى صعوبة توقع تطبيق الاتحاد الأوروبي لقانون العناية الواجبة بشكل صارم على شركاء مثل الولايات المتحدة، الحريصة أكثر على مصالحها الاقتصادية من التزامها الكامل باتفاقيات المناخ. وبدورها، ترى الخبيرة لوري هايتيان أن القانون يشكل تدخلاً في سيادة قطر ويحمّلها أعباء تنظيمية ومالية ضخمة تمتد إلى كامل سلسلة الإمداد، بما في ذلك الشركات الصغيرة. وأكدت أن قطر قد تختار الانسحاب من بعض عقود التصدير الأوروبية نظير تجنب التعقيدات البيروقراطية والضغط المالي، مما قد يدفع أوروبا نحو أزمة طاقة حقيقية تحتّم عليها التنويع في مصادرها.

توجه قطر نحو الأسواق البديلة وأهمية آسيا كسوق رئيسية

يعتقد الخبير القطري عبد العزيز الدليمي أن القانون يستهدف سوقًا محددة هي أوروبا فقط، في حين ستستمر صادرات الغاز الطبيعي القطري إلى آسيا والأسواق العالمية الأخرى بشكل طبيعي. وتستند قطر في ذلك إلى علاقاتها المتينة مع دول آسيوية كبرى تشمل الصين، كوريا الجنوبية، اليابان، الهند وباكستان، مع امتلاكها أسطولًا عالميًا من ناقلات الغاز المسال يوفر لها مرونة في إعادة توجيه الصادرات. وتشير لوري هايتيان إلى أن آسيا وأفريقيا تمثلان الأسواق البديلة المحتملة للغاز القطري، مع تصدر الصين قائمة المستوردين بنحو 27 عامًا من اتفاقيات توريد طويلة الأمد. وتشكل آسيا أكثر من 70% من إجمالي صادرات الغاز القطري بوزن إستراتيجي كبير يعزز قدرة الدوحة على المناورة.

توازن المصالح بين البيئة والاقتصاد: اختبار الاتحاد الأوروبي وقطر

يعتقد المستشار النفطي الكويتي مبارك الهاجري أن التصعيد القطري في هذه المسألة لا يتجاوز حدود المناورة التفاوضية المحسوبة، خاصة مع وجود عقود طويلة الأمد تربط الدول الأوروبية بقطر، مما يعقد أي محاولة للانسحاب أو تغييب الاتفاقيات دون تكبّد غرامات قانونية وتجارية. ويؤكد الهاجري أن قطر تحرص على سمعتها كمصدر موثوق للطاقة، إذ إن فسخ العقود الآجلة قد ينتج عنه عزوف مستقبلي من قبل الأطراف الأخرى عن توقيع صفقات مماثلة. ورغم امتلاك قطر خيارات بديلة في آسيا والتحالف مع شركاء جدد، تبقى هذه الخيارات حتى الآن أوراق ضغط أكثر منها استراتيجيات تنفيذية فعلية، لا سيما وأن أوروبا تدرك جيدًا أهمية استمرار تدفقات الغاز القطري في مرحلة انتقال الطاقة الحساسة. ويبدو أن الطرفين قد يسعيان إلى تسوية تقنية وسياسية توفّر بعض التسهيلات القانونية دون التخلي عن الأهداف البيئية الأساسية. وتُبيّن هذه الأزمة مدى تعقيد بناء نظام عالمي للاستدامة قائم على معايير متوازنة تحمي السيادات وتحترم الاختلافات التنموية، بعيدًا عن فرض معايير أحادية الجانب.