د. محمد العزة: الذاكرة الأردنية وغول ايلول إلى متى؟

د. محمد العزة: الذاكرة الأردنية وغول ايلول إلى متى؟

د. محمد العزة

في موروث الذاكرة الشعبية الأردنية لطالما كان الغول ذلك المستحيل في الرواية العربية الأكثر شيوعا عند الكبار في اخافة الصغار من أن يصادفهم فيرعبهم ويربكهم ويعرقل كل اتجاه مشاريع مسيرتهم التي أرادوا أن يتجاوزوا حدود المكان والزمان الذي لا يراد لهم أن يتجاوزه ، فيصدقهم الصغار فيصبح اكبر مخاوفهم واكبر طموحهم بأن لا يظهر ذلك الغول فيأكل لب فكرهم ، فيصيروا جيلا يسيطر على بصرهم وسمعهم فيعيشوا لحظة من حاضر مشتت ومستقبل ملامحه مفتت ، والى أن يصل  لحظة النضوج والقدرة على الولوج إلى أعماق الحقيقة والتبصر بأدوات التحليل والمنطق ، ليكتشفوا أنهم عاشوا حالة من الخداع ،حالة من الانصياع لرغبات اجيال عاشوا نفس التجربة المكررة اعتادوا أن يكرروها ويتلوها على مسامع الأجيال جيل بعد جيل لنبقى في دوامة العصف والعنف الذهني الذي لا نستطيع أن نتقدم به إلى الأمام ولا المبادرة لاستلام الزمام في رسم ما أراد هذا الجيل من ملامح حاضر مجتمعهم ولا مستقبل وطنهم ، وفي تلك اللحظة الحاسمة قرروا أن يبددوا وهم ذلك الغول ، بأن يقتلوا ذلك الظل المجهول ، بأن يستبدلوا بضحكاتهم وابتساماتهم وخطواتهم إلى الأمام نظرات الخوف والذهول .
أبناء شعبنا الاردني نعم علينا أن نسأل أنفسنا متى سنتخلص من ذلك الغول الذي دارت احداث قصة صناعته وتغذيته وتضخيم حجمه في فترة عصيبة كان الاردن والأمة العربية تخوض اولى مخاضات الصراع العربي الإسرائيلي الذي لم يتوانى فيه العدو الصهيوني برعاية غول الفتنة والاقتتال واشعال فتيل التفرقة والتجزئة ، باستخدام قوى الرجعية والعقلية المتسلطة الجاهلة الغير منضبطة الباحثة عن السلطة بأي طريق وبأي ثمن وحتى إن كان على حساب المواطن والوطن.
آن الأوان ليستيقظ الوعي الوطني لدى المواطن الأردني وان يصيب غول ايلول في مقتل ، فيبدده ويدفنه عميقا حيث لا عناصر تغذيه ولا تحييه ولا يكون ذلك إلا بالاطلاع على الحقائق ومراجعة مفاصل تلك الأحداث وظروفها وطريقة تشكيلها وأسبابها ، التي من يثابر على معرفتها سيجد أنه بالدليل والبرهان أن ما حدث كان يمكن أن يحدث داخل اي دولة أو كيان حيث لا يمكن أن تتفق الشرعية مع اللاشرعية أو تنسجم سيادة القانون مع قوى فوق القانون ، عندما تصطدم مرجعيات سياسة الدولة والإدارة والمؤسسات مع سياسة من انحرف عن بوصلة الثورة والحركة الوطنية الفلسطينية وعقلية التجاوز والانفلات ، وعلى الرغم أن الأردن تبنى المشروع الوطني لتحرير فلسطين ، لكن الحسم كان سيد الموقف والذي لم يكن انطلاقا أن هذا النزاع ما بين شعبين خصمين ، أو انحياز فئوي ديمغرافي ، لأن كل الدلائل كانت تشير إلى  أن الصدام واقع في الوقت الذي انصهر جميع أبناء هذا الوطن في جسد واحد وخندق واحد في وجه المشروع الصهيوني وما الكرامة الا اكبر الأدلة عليها عندما صعد الحسين بن طلال رحمه الله وهو الجندي الاول على أشلاء الدبابات الإسرائيلية معلنا اليوم كلنا فدائيون ، وحتى في أحداث أيلول كان العديد من أبناء العشائر الأردنية منطويا تحت مظلة قوى الثورة الفلسطينية والعكس صحيح بأن العديد من أبناء الضفة الفلسطينية الغربية يخدموا في صفوف الجيش العربي،  القوات المسلحة الأردنية ، وغيرها من المؤشرات التي  تدعم طرحنا في هذا المقال الذي نحاول أن يكون مصارحة كبرى بأننا جيل الشباب الأردني الحالي الواعي لن يسمح للمستفيدين والمستترين خلف ذلك الغول تحت اي عباءة كانت دينية وجاهية عشائرية مناطقية أيديولوجية بأن يعودوا ليغذوه ويطعموه فؤاد حلمنا وتهديد أمن واستقرار وطننا وإضعاف نسيج مجتمعنا الذي تربطه أواصر القربى والنسب وتجمعه هموم الحياة والسياسة وطموح النهضة والعيش بسلام والتحرير واليقظة من مشاريع أعداء هذا الوطن وهذه الأمة .
نقول وسنظل نقول إن غول ايلول قد انتهى وأن تلك الفلول زمنها ولى ومضى وكلما ظنوا في خلسة من سوداوية ظلامهم ظنوا بأنهم قادرين على أن يعيدوه ، سيجدوا أن أبناء هذا الشعب العظيم وقيادته الهاشمية الحكيمة سدا منيعا في وجه كل فكر متطرف ينسجوه أو مخطط ينال من سيادة هذه الدولة وثوابتها الوطنية اتجاه قضيتها الفلسطينية فيحبطوه.
وها قد ٱن الأوان أن نعلنها صراحة أن الأردن القوي هو وطن لكل الاردنيين المؤمنين بالمواطنة الصادقة والديمقراطية الحقيقية وهو داعم لمشروع الدولة الفلسطينية التي هي حق لكل فلسطيني على ترابها التاريخي وعاصمتها القدس الشريف.
وفي الختام من حق المواطن الأردني أن يبدي مخاوفه على وطنه وخصوصا عندما يكون الشارع تحت تأثير قوى سياسية لها تجارب في أزمات الدول العربية إبان الخريف العربي وشهدنا نتائجها.
ويأتي رفع سقف الشعار في هذه المرحلة مع اقتراب استحقاق انتخابي يجد البعض الحرب على شعبنا في غزة فرصة باستدرار عواطف الناس لتحقيق أهدافهم متجاهلين حسابات التوازنات السياسية المطلوبة لامكانية البقاء داخل المعادلة السياسية التي تدعم صمود الشعب الفلسطيني والدفاع عن قضيته.
المواطن الأردني لديه من الوعي تمكنه من الكشف عن من يريد أن يصعد على أكتافه وإرادته ورهن قراره، ولكن لن يكون إلا كما يريد لهذا الوطن وقيادته ولنفسه سالما غانما منعما.
كاتب من الاردن

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم:

close