تراجع واضح في مكانة أمريكا حسب توماس فريدمان.. هل ما زال لديها مستقبل؟

خلال الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، شهدت مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة تحولات جذرية تهدد استقلاليتها وأسسها الأساسية، وهو ما يبرز من خلال قلق الكاتب الأميركي توماس فريدمان حول مستقبل القيم المؤسسية في البلاد. يستعرض فريدمان في مقاله الأسبوعي أبرز مظاهر هذا التدهور، مشيرًا إلى تجاوز خطوط حمراء تقليدية مثل استقلالية البيانات الاقتصادية وحيادية أجهزة الاستخبارات، في ظل ولاء أعمى للرئيس وصمت المسؤولين الكبار.

تراجع استقلالية البيانات الاقتصادية وأثرها في مؤسسات الحكم الأميركية

أوضح فريدمان أن ما حدث مؤخرًا من إقالة إريكا ماكنتارفر، مفوضة مكتب إحصاءات العمل، يمثل ذروة أزمة استقلالية البيانات الاقتصادية، حيث تمت إقالتها بعد إصدار تقرير اقتصادي لم يرضِ الرئيس ترامب، لتبدأ بعدها موجة من التبريرات من المسؤولين في إدارته بدلاً من الوقوف مع مبدأ الحيادية والشفافية. وعلى الرغم من التغيرات التي طرأت على رؤى بعض المسؤولين، مثل وزيرة العمل لوري شافيز-ديريمر، التي تراجعت عن وصفها الإيجابي للتقرير الرسمي عقب الإقالة، فإن هذه الخطوة ليست استثناءً بل جزء من سياسة متعمقة لتسييس البيانات الرسمية. وقد أشار فريدمان إلى مخاوف من أن يخشى موظفو الدولة الحديث عن أي معلومات سلبية خشية التضحية بهم إرضاءً لرغبات الرئيس.

التلاعب بالمعلومات في أجهزة الاستخبارات وتأثيره على منظومة الحكم في الولايات المتحدة

لا يقتصر التدهور على الجانب الاقتصادي فحسب؛ بل شمل أيضًا مؤسسات الاستخبارات، حيث أعاقت مديرة الاستخبارات الوطنية الموالية لترامب، تولسي غابارد، عمل اثنين من كبار المسؤولين بعد صدور تقرير تضاد مع الرواية الرسمية للرئيس بشأن دعم النظام الفنزويلي لعصابة إجرامية. هذا التلاعب المتعمّد بالمعلومات يهدد الأسس القانونية التي استُخدمت لتبرير قرارات حاسمة، مستغلة قوانين قديمة لم يعد لها تبرير في السياق السياسي الحالي. تشير هذه الخطوة إلى حجم الانهيار المؤسسي، والذي وصفته جانيت يلين، وزيرة الخزانة السابقة، بأنه لا يُرى إلا في “جمهوريات الموز”.

تغلغل نظرية المؤامرة وتأثيرها على الجيش ومستقبل الولايات المتحدة

امتد هذا التوجه إلى الجيش، حيث أُلغِي تعيين جين إيستيرلي، خبيرة الأمن السيبراني وخريجة أكاديمية ويست بوينت، في منصب تدريسي مرموق، بعد اتهامها دون دليل من ناشطة يمينية متطرفة بأنها “جاسوسة من عهد بايدن”. يعكس هذا القرار مدى انتشار نظرية المؤامرة داخل مؤسسات الدولة، وهو ما يراه فريدمان تعبيرًا صريحًا عن الخطر الذي يهدد مستقبل البلاد. يرى الكاتب أن استمرار هذا النهج السلطوي سيمثل تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة، وربما يؤدي إلى ضياع الصورة التي يعرفها العالم عن أميركا دون مسار واضح لاستعادتها.

الحدث الوصف التبعات
إقالة إريكا ماكنتارفر إقالة مفوضة مكتب إحصاءات العمل بعد تقرير اقتصادي غير ملائم للرئيس ضربة لاستقلالية البيانات الاقتصادية وتبرير من المسؤولين المقربين
تدخل تولسي غابارد في أجهزة الاستخبارات إقالة مسؤولين بسبب تقرير يعارض رواية ترامب بشأن فنزويلا تلاعب بالمعلومات وخطر تدمير الأسس القانونية
رفض تعيين جين إيستيرلي إلغاء تعيين خبيرة الأمن السيبراني بسبب اتهامات بلا دليل تغلغل نظرية المؤامرة في الجيش وبداية انهيار مؤسسات الدولة

يؤكد توماس فريدمان أن ما يحدث في مؤسسات الحكم الأميركية ليس مجرد انحراف سياسي عابر؛ بل هو انهيار تدريجي لأعمدة القيم التي أسست الجمهورية، وهو ما يعكس تحولا خطيرا نحو حكم يستند إلى الولاء الأعمى والقمع الداخلي، مع تراجع دور النزاهة والشفافية. يتساءل الكاتب عما إذا كانت الولايات المتحدة التي عرفها العالم ستظل موجودة إذا استمر هذا المسار، محذرًا من تحول الدولة إلى آلية لتلميع صورة القيادة السياسية بدلاً من الحفاظ على استقلاليتها ومصداقيتها.