عالم فيزياء يكشف خطة جريئة لإطلاق مركبة نحو ثقب أسود.. هل نقترب من الكشف العظيم؟

تثير فكرة إرسال مركبة فضائية بحجم مشبك ورق بسرعة تقترب من سرعة الضوء إلى أقرب الثقوب السوداء لكوكب الأرض اهتمام العلماء في مجال الفيزياء الفلكية. يسعى خبير الثقوب السوداء وعالم الفيزياء بجامعة فودان الصينية، كوزيمو بامبي، من خلال هذه المهمة الطموحة إلى فهم أعمق لطبيعة المكان والزمان وقوانين الفيزياء في أقصى حالات الاضطراب والتطرف الجاذبي

تطوير مهمة فضائية إلى أقرب الثقوب السوداء: التحديات والفرص

يفتقر الفهم الحالي لظواهر الثقوب السوداء إلى تجارب عملية في ظل تأثيرات الجاذبية الشديدة، حيث ترتكز نظرية النسبية العامة لأينشتاين على اختباراتها في “حد المجال الضعيف” فقط، كحركة الكواكب والنجوم النابضة الثنائية ذات الجاذبية المعتدلة. أما حالة “حد المجال القوي”، حيث تكون الجاذبية في أقصى درجاتها داخل الثقوب السوداء، فتبقى هذه البيئة غير مستكشفة بشكل مباشر، رغم أهميتها في اختبار حدود النظرية العلمية. يقع أقرب ثقب أسود مكتشف حتى الآن، GAIA-BH1، على بعد نحو 1560 سنة ضوئية، وهو جزء من نظام ثنائي مع نجم يشبه الشمس، يدوران معًا خلال 186 يوماً في مدار بيضاوي. إلا أن العديد من النماذج الفلكية تشير إلى وجود ثقوب سوداء قربنا قد تكون على مسافة تتراوح بين 20 و25 سنة ضوئية، ما يجعل رحلات الفضاء الموجهة نحوها مشاريع مستقبلية محتملة لاستكشاف هذه الظواهر الكونية.

تقنيات الرصد والاكتشاف لأقرب الثقوب السوداء باستخدام عدسة الجاذبية الدقيقة

يكمن أحد التحديات الرئيسة في التعرف على أقرب الثقوب السوداء التي غالباً ما تكون منفردة ولا ترتبط بنجوم مرافقه سهلة الرصد. تعتمد تقنيات الاكتشاف الأساسية على ظاهرة “عدسة الجاذبية الدقيقة”، وهي انحناء ضوء مصدر بعيد بفعل تأثير جسيم ذو كتلة عابرة بين الراصد والمصدر، مما يؤدي إلى تضخم في سطوع الضوء المكتشف. كما تستخدم أساليب رصد أخرى تعتمد على الموجات الكهرومغناطيسية والموجات الجاذبية للكشف عن علامات غير مباشرة لإشعاعات الثقب الأسود وتفاعلاته مع الوسط بين النجمي. ومن المتوقع أن تتطور هذه التقنيات خلال العقد المقبل، إذ قد يتم تحديد موقع أقرب ثقب أسود واقعي على بعد لا يتجاوز 25 سنة ضوئية، مما يفتح الباب أمام إرسال مركبات فضائية موفرة وحديثة لهذا الغرض.

مركبة “نانوكرافت” للتوجه إلى أقرب الثقوب السوداء: الابتكار والتحديات التقنية

يرتكز الحل المقترح لإرسال مركبة فضائية إلى الثقب الأسود القريب على تقنية “النانوكرافت”، وهي مركبات صغيرة جداً تزن جراماً واحداً فقط وتضم رقاقة إلكترونية مدمجة وشراعًا ضوئيًا. يتم دفعها بواسطة شعاع ليزر قوي من الأرض، يتحكم في سرعة المركبة ليصل إلى جزء كبير من سرعة الضوء، ما يقلص مدة الوصول إلى نحو 70 عاماً. لكن المهمة تواجه ثلاث تحديات رئيسية، أولها بناء أنظمة ليزر فائقة القوة والموثوقية تتحمل إشعاعاً كبيراً، إلى جانب تصاميم أشرعة ضوئية متقدمة. التحدي الثاني يكمن في تحديد مواقع الثقوب السوداء بدقة ودخول المركبة في مدار ثابت حولها، إذ تتفاوت دقة الرصد بين تقنيات الموجات الجاذبية والموجات الكهرومغناطيسية. أما التحدي الثالث فيتلخص في miniaturization الأدوات العلمية لتناسب حجم الرقاقة مع ضمان نقل البيانات إلى الأرض عبر مسافات هائلة. وتتطلب هذه التكنولوجيا رؤوس أموال ضخمة قد تصل إلى تريليون يورو، مع حاجة لتطوير تقنيات علمية لم تُخترع بعد، لكن الدافع العلمي يبقى قوياً لاختبار حدود النسبية العامة في أقسى ظروف الكون.

التحدي الوصف
تطوير “النانوكرافت” تصميم أشرعة ضوئية قوية وأنظمة ليزر فائقة الطاقة قادرة على دفع المركبة بسرعات قريبة من الضوء
تحديد موقع الثقب الأسود الحصول على دقة عالية في رصد موقع الثقب باستخدام الموجات الكهرومغناطيسية والموجات الجاذبية
تصغير الأدوات العلمية إنشاء معدات دقيقة للغاية لجمع البيانات وتجهيزات تواصل فعّالة بحجم الرقاقة الواحدة

الثقوب السوداء هي أجسام فلكية فائقة الكثافة تجذب كل ما يقترب منها حتى الضوء، لتشكل حدوداً لا يمكن تجاوزها تعرف بأفق الحدث، نقطة اللاعودة التي تمنع أي شيء من الفرار. تنشأ هذه الظواهر عادة عقب انهيار نجم ضخم على نفسه في نهاية حياته، وتصنف إلى عدة أنواع بحسب كتلتها وأصلها، منها الثقوب النجمية، وثقوب متوسطة الفئة، والثقوب فائقة الكتلة المتواجدة في مراكز المجرات، إلى جانب الثقوب الأولية النظرية التي قد تشكلت في البدء الكوني. تؤثر الثقوب السوداء بشكل عميق على نسيج الزمكان، محدثة تشوهات تؤدي إلى ظواهر مميزة مثل إبطاء الزمن حولها بشكل كبير، وخلق أقراص تراكمية من المادة التي تسحبها بجاذبيتها، لكنها لا تبتلع الكون بأكمله، بل فقط الأجسام التي تقترب منها بعيداً جداً. ويرتبط مركز كل ثقب أسود بما يُعرف بالتفرد، نقطة ذات كثافة لا نهائية، وبعض النظريات الفلكية ترى فيها ممرات محتملة إلى أكوان أخرى، رغم غياب أدلة مؤكدة.

السفر إلى أقرب الثقوب السوداء باستخدام مركبة “نانوكرافت” يمثل تحدياً علمياً وهندسياً هائلاً، لكن تطبيقاته العلمية قد تكشف أسراراً جديدة في فهم الزمكان وقوانين الفيزياء في أقصى درجات الجاذبية. ترتبط هذه التقنية بإمكانية تسريع مركبات صغيرة إلى سرعة تقارب سرعة الضوء عبر استخدام أشرعة ضوئية مدفوعة بشعاع ليزر فائق القوة من الأرض. تستغرق الرحلة إلى ثقب أسود على بعد 25 سنة ضوئية حوالي 70 عاماً، مع انتظار 20 عاماً إضافياً لعودة البيانات إلى الأرض؛ ما يجعل المهمة امتداداً طويل الأمد، لكنها تفتح فصلاً جديداً في استكشاف الكون وتسخير التكنولوجيا لفتح أبواب جديدة للعلم.