يونس عودة: الجودة من منظور اسلامي
يونس عودة
﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورسولُه وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ التوبة ( 105).
الجودة:”هي مقياس للتميز، أو حالةُ الخلوِّ من العيوبِ، والنواقص والتباينات الكبيرة عن طريقِ الالتزام الصارم بمعاييرَ قابلةٍ للقياس، وقابلة للتحقق لانجاز تجانسٍ وتماثلٍ في الناتج، ترضي متطلباتٍ محددةٍ للعملاء او المستخدمين”( معجم المعاني الجامع).
يقضي الانسانُ عمره وهو في حركةٍ دائبة؛ يعملُ ويكدحُ متحملا مشاقَّ الحياة، ومتطلبات العيش مصداق ذلك قوله تعالى:” لقد خلقنا الانسان في كبد “(البلد 4) ، ونهايةُ هذا الجهد المضني هو لقاءُ الله عز وجل.” يا أيها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه”(الانشقاق 6). وفرقٌ ما بينَ ان يلقى العبدُ ربَّهُ مخلصًا في عمله، مؤتمنا على رعيته، وأن يلقاهُ وهو عليه ساخط، لتقصيرهِ في اداء ما يطلب منه من اعمال، سواء أكانت دينيةً او دنيوية. ففي الحديث الشريف:” « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فأما من ادى عمله بكل نزاهة واخلاص، فليس له الا الرضى من المولى عز وجل.” إن الله يحب اذا عمل احدكم عملا أن يتقنه “(حديث شريف). فَهُنا نوال محبة الله تعالى التي لا مثيل لها :حين اتقان العملِ وتجويده وانجازه على أتم وجه.
فبين الحينِ والاخر، تطلع على مجتمعاتنا مصطلحاتٌ ومفاهيم مستحدثة، الغرض منها العملُ وفق مقاييسَ معينة، ارتأتها جهة ما في العالم، لتحقيق ضَمانٍ لجودة منتج معين. لا بأس، والحال كذلك، إن كان الهدف هو اتقانُ العملِ وانجازُه بدقةٍ متناهية، وفق شروط ومزايا متعارف عليها. هذه جهود مشكورة ، لكن الهدي الالهي قد وضع نصب الأعين طُرُقا ميسرة للاتقان. فالغشُّ في العملِ مرفوض، وكل ما يترتب عليه فاسدٌ مفسدٌ لما حوله. فمعلم البشرية عليه افضل الصلاة وأتم التسليم حسم الامر بالقول: ” من غشنا فليس منا”. والخداعُ مرفوضٌ، وكذلك المحسوبياتُ، وكل ما يهدرُ طاقة العمل في غير موضعها.
فرب العمل مسؤولٌ امام الله عن عمله ، والعاملُ المخلصُ يحتسبُ الاجرَ لوجه الله تعالى- عدا ما يقبضه من مردود مادي نظير ما يقوم به من جهد: فالعمل الشريفُ عبادةٌ ،ايضا، نتقرب به اليه عز وجل. ولأجل تحقيق جودةٍ نظيفةٍ ونزيهة، فالاولى أن تكون ادارةُ العمل هي اولُّ ما ينمازُ وينفرد بتلكم النزاهة؛ فالتسلُّلُ من العملِ دون استئذانٍ مرفوضٌ جملةً وتفصيلا، والتفريطُ في الوقتِ اثناء العملِ مرفوضٌ كذلك بكليَّته، والتجسسُ على الافرادِ للايقاع بهم، يُفسد معيشتهم وقلوبَهم ويشتتُ افكارَهم، ويضعهم في خانةِ الشكِّ والريبةِ مسبقا، وهذا ما يتنافى وأبسط طرقِ التعاملِ مع المرؤوسين. ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(آل عمران 159). وقد يلجأ البعضُ من اربابِ العملِ الى استخدامِ ضعافِ النفوسِ والايمانِ وبثِّهم في ميدانِ العملِ لبسطِ السيطرةِ والترويعِ واحكامِ قبضةِ الرعبِ والجبروت. لا بأسَ من الحيطةِ والحذر، شريطة أن يكونَ ذلك ابتغاء وجهِ الله ، ثم لاجلِ العملِ والجودةِ في الانتاج. كما يجدرُ بربِّ العملِ نفسُه ان يكونَ خيرَ قدوة، وخيرَ مثالٍ يحتذى في العملِ والاخلاصِ والنزاهةِ والاستقامةِ ونقاءِ الثوبِ واليدِ والسريرة؛ فلا يطاردُ هذا، ولا ينكِّل بذاكَ ويحاصره، أو يسلبُ جهد هذا او ذاك لمآربَ شخصيةٍ بحتة، او يتخذَ العمل مزرعةً خاصةً به، يديرُها كيف يشاءُ دون مراعاة للقوانينِ واللوائحِ والنظمِ المتبعة، وذلك من منطلق:” لا اريكم الا ما ارى”. قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)). وكما قال سيدنا عمر رضي الله عنه” أشقى الناس من شقيت به رعيته”.
فالجودةُ والاخلاصُ تتأتيانِ حينَ يكونُ الاخلاصُ والعملُ لوجهِ اللهِ تعالى، فعندها يتألَّق الجميعُ في تسيير دفةِ العملِ كفريقٍ واحدٍ متكاتفٍ متعاونٍ كالبنيان المرصوص. ولا بأسَ من منحِ البعضِ مكافآتٍ مادية، أو شهاداتٍ تحفيزية، لشحذِ الهمم، وتشجيعِ التنافسِ الشريفِ لمزيدٍ من الكمِّ والكيفِ في الانتاجِ على حدٍ سواء. قال تعالى { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}( سورة المطففين26 ) ، ويعطى كلٌّ حسبَ جهده وتفانيه في العمل، وليس في هذا غبن. قال تعالى” للذين أحسنوا الحسنى وزيادة” (يونس 26 ). وكان الصحابةُ رضوان الله عليهم يُعْطَون من الغنائم- احيانا- حسب السبق في الاسلام وحسب الجهد، فالمهاجرون ليسوا كالانصار، وليس اهل بدر كغيرهم.” لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (الحديد 10).
الجودةُ هي الاتقانُ، و تتمثلُ في الضميرِ الحي البيِّنِ، الذي يسيِّرُ الفردَ من بداية العمل الى نهايته، وعلاقته المتينةُ الصادقة مع الله عز وجل. وهذا ما يُتَوخى حين البدء بصناعة منتجٍ ما لحينِ وصوله الى المستهلك. فالطالبُ، على سبيل السرد لا الحصر، هو منتجُ المستقبل المطلوبُ رعايته منذُ دخوله الصرح التعليمي، الى يوم تخرجه، و خروجه الى سوق العمل كمنتج موثوق تمت رعايته وتجويده بتقوى الله ومخافته، ولنعلم بأننا محاسبون امام الله على ما قدمنا .
*أكاديمي- سلطنة عُمان
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم:
النوم.. مفتاح سري لفقدان الوزن وتحقيق الصحة
مبيعات السيارات الكهربائية الخالصة قد ترتفع بنسبة 30% في 2025 - الطاقة
رسمياً: الكشف عن جهاز Nintendo Switch 2 - سبورت ليب
مشروع سعودي بريطاني هيقلب الموازين في مصر.. إيه حكايته وهيتعمل فين؟
رجل مباراة الأهلي وطلائع الجيش في الدوري المصري
سياسات "ترامب" تعيد تشكيل العلاقات مع أوروبا على أسس جديدة
سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم في بداية التعاملات
بمشاركة جهاز حماية وتنمية البحيرات .. افتتاح معرض ”أهلًا رمضان 2025” | الاقتصاد
نزلها في ثواني: تردد قناة الرياضية المغربية الجديد 2024 علي نايل سات
طرح 14 محلا تجاريا وصيدليتين ووحدة إدارية للبيع بالمزاد العلني في المنيا الجديدة