«قيم ملهمة» خطبة الجمعة 15 أغسطس 2025 الأوقاف تحدد موضوع إعلاء قيمة السعي والعمل

تأتي أهمية موضوع خطبة الجمعة 15 أغسطس 2025 تحت عنوان «إعلاء قيمة السعي والعمل» لتسليط الضوء على ضرورة العمل والسعي في بناء الذات وتقدم الأمة، حيث يحمل هذا الموضوع رسالة واضحة بأن الجهد والمثابرة هما أساس النهوض والازدهار.

أهمية العمل والسعي في الإسلام كقيمة أساسية للحياة

لقد أولى الإسلام العمل مكانة عظيمة في حياة الإنسان وأمر بالسعي على هذه الأرض طلبًا للرزق، حيث قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15)، موضحًا أن الإيمان دون عمل يشبه شجرة بلا ثمر، لا قيمة لها؛ لهذا شدد النبي ﷺ على أهمية الاستمرار في العمل حتى في أقسى الظروف قائلاً: ”إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها“. كذلك كان للأنبياء والصالحين مهن يتكسبون منها، وهو ما يؤكد على ضرورة العمل المخلص وتحريم الكسل والاعتماد على الغير؛ إذ قال النبي ﷺ: “اليد العليا خير من اليد السفلى”. كما حثّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على العمل واعتبره من شرف الإنسان وأساس كرامته، حيث كان يحرص على معرفة حال الشباب وما إذا كانوا يمتلكون حرفة أو مهنة، ويوبّخ من لا يعمل. هذه القيم تدل على أن العمل هو واجب اجتماعي وفردي يعزز من بناء المجتمع ويتكامل مع روح الإيمان.

الأخذ بالأسباب والتوكل على الله في سبيل تحقيق الخير والسعي

إن الأخذ بالأسباب والتصرف الحكيم مع التوكل على الله يعدان من أسس النجاح في الحياة العملية، ويظهر ذلك جليًا في موقف الصحابي الذي سأل النبي ﷺ عن التوكل فأجابه: «اعقلها وتوكل». يتضح من هذا أن الثقة بالله لا تعني ترك العمل والسعي، بل يجب الجمع بين الاجتهاد والتوكل جل وعلا. لقد انتقد عمر رضي الله عنه المتوكلين الذين يقعدون بلا عمل، مشددًا على ضرورة البحث عن الرزق والاعتماد على النفس. كما يظهر ذلك من قصة السيدة مريم عليها السلام التي أمرها الله أن تهز جذع النخلة أثناء المخاض، في درس بليغ حول ضرورة الأخذ بالأسباب رغم وجود القدرة الإلهية على التدبير بدون ذلك. ويلخص القول المأثور: “يجب أن نأخذ بالأسباب كأنها كل شيء، ثم نتوكل على الله كأنها ليست بشيء”. وهذا المبدأ الإيماني يرفض البطالة والكسل ويشجع على الاجتهاد في العمل وتطوير المهارات.

العمل عبادة وجهاد في الإسلام ينتج ثمارًا دنيوية وأخروية

يعتبر الإسلام أن السعي والعمل مهما كان نوعهما يقع في دائرة العبادة إذا أخلصها العبد لله تعالى، سواء كان ذلك في الزراعة أو التجارة أو التعليم أو غيرها، فقد ورد في القرآن: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (المزمل: 20)، مما يعادل بين كسب المال الحلال والجهاد في سبيل الله. وأكد النبي ﷺ أن السعي على عياله وأهله والعمل يندرج ضمن هذه العبادة ويؤجر عليها الإنسان، أما الادعاء بالعمل من دون إخلاص فهو في سبيل الشيطان. لقد مدح الشرع الأعمال الصالحة والنية الصادقة، كما أن المعاشرة الزوجية الحلال تدخل ضمن الطاعات والعبادات بشرط الإخلاص والنية الخالصة. هذه الرؤية تبين أن لكل عمل في الحياة قيمة روحية تعزز الالتزام وتحفز على الاجتهاد. كذلك حذر الإسلام من التراجع نحو البطالة، لأنها تؤدي إلى تراجع الأمة وانتشار الفوضى، ومن هنا جاءت النصوص التي تحرّم الكسل والاعتماد على صدقات الآخرين فيما يمكن للفرد اكتسابه بنفسه، ويحثّ على أن يأكل الإنسان من كسب يده، وهو أجود أنواع الكسب.

الآية أو الحديث المضمون
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً…} دعوة للسعي والعمل في طلب الرزق
”إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها“ حث على العمل الدائم حتى في الظروف الصعبة
{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ…} (المزمل: 20) معادلة بين العمل الحلال والجهاد
”اعقلها وتوكل“ (الترمذي) الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله
”اليد العليا خير من اليد السفلى“ تحفيز العمل والكسب بالجهد

لقد تعلمنا من خلال ما سبق أن العمل بالسعي والجهد لا يقتصر على منفعة الدنيا فقط، بل هو عملٌ محبوبٌ عند الله ويُحسب له أجور عظيمة، فالإسلام يبارك لكل من يخلص في عمله ويجتهد فيه، ويشجع على السعي مع الرقابة الإلهية للنفس. وبينما خصّ الله الصلاة بوقت محدد، فإن السعي والكد في طلب الرزق متاح دائمًا بعد الفرائض ويُعد من أسباب الرزق وسببًا للبركة. لذا، فمن أراد النهوض بنفسه وأمته، فلا بد أن يحيا قيم العمل والسعي الصادق، وينهج نهج الأنبياء والصالحين في الجد والاجتهاد والمثابرة مع التوكل على الله تعالى.