مسلسل “النُص”.. أحمد أمين النشال التائب الذي خالف التوقعات

أسماء مندور

في كل موسم درامي، يبرز نجم ينجح في كسر التوقعات ولفت الأنظار بعمل فني متميز، وهذا العام يبدو أن أحمد أمين هو المرشح الأبرز لهذا الدور من خلال مسلسله الجديد “النُص”، الذي يُعرض خلال شهر رمضان.

منذ عرض الحلقات الأولى، لاقى المسلسل اهتمامًا خاصًا، حيث اعتُبر تجربة درامية مختلفة عن السائد، ونجح في جذب المشاهدين بأسلوبه السلس وحكايته الممتعة، كما أن أداء أحمد أمين كان محل تقدير خاص، حيث رأى فيه كثيرون نموذجًا للفنان القادر على التطور والتجديد باستمرار.

العمل، الذي يحمل بصمة درامية مختلفة، يمزج بين التشويق والكوميديا، ويستند إلى وقائع تاريخية، مُستلهمة من كتاب “مذكرات نشال” للكاتب أيمن عثمان. فكيف استطاع أحمد أمين أن يبهرنا مجددًا ويخالف التوقعات؟ ولماذا يعتبر “النُص” نقطة تحول في مسيرته الفنية؟

النشال التائب

تدور أحداث المسلسل في عشرينيات القرن الماضي، من خلال رحلة شخصية “عبد العزيز النُص”، وهو نشال قرر التخلي عن السرقة والبحث عن حياة شريفة، لكنه يجد نفسه متورطًا في صراعات سياسية واجتماعية، تجعله بطلًا شعبيًا دون أن يقصد، وهنا تتقاطع المصائر وتتشابك الأحداث، ليصبح “النُص” شاهدًا على عصره، بل فاعلًا رئيسيًا في متغيراته.

وهذا الخط الدرامي يضع المشاهد أمام حبكة تجمع بين التشويق والكوميديا، وتطرح قضايا تتعلق بالعدالة الاجتماعية والفساد، في قالب يجمع بين الترفيه والتفكير النقدي، مما يخلق تجربة درامية غنية بالتفاصيل، تمنح العمل طابعًا أصيلًا ومثيرًا.

أدوات أحمد أمين

منذ انطلاقته في عالم التمثيل، أثبت أحمد أمين تدريجيًا عبر أعمال مختلفة أنه ليس مجرد فنان كوميدي عابر، بل ممثل شامل يمتلك أدوات تمثيلية قوية تجعله قادرًا على تقديم شخصيات مركبة بعمق وإقناع، وفنان قادر على التنقل بين الأنماط الدرامية المختلفة، ليضع بصمته الخاصة في كل ما يقدمه.

ورغم أن الجمهور اعتاد على رؤيته في إطار كوميدي، سواء في برامج مثل “البلاتوه” أو مسلسلات مثل “الوصية” و”الصفارة”، لكن مع مرور الوقت، بدأ أمين في كسر هذه الصورة النمطية، مقدمًا نفسه كممثل يمتلك كاريزما فنية متكاملة، وقد أثبت ذلك بجدارة في “ما وراء الطبيعة”، ودوره في “جزيرة غمام”، أما في “النُص”, فهو يأخذ هذا التطور إلى مستوى جديد تمامًا.

ومع أن المسلسل يحمل طابعًا كوميديًا في بعض أجزائه، إلا أن الشخصية الرئيسية ليست نمطية، حيث يظهر عبد العزيز النُص كشخص بسيط يجد نفسه وسط أحداث تتجاوز خططه، وهنا يظهر تفوق أحمد أمين في التعبير عن التناقضات الداخلية التي تعيشها الشخصية، وهو ما لاحظناه من خلال قدرته على التوازن بين الأداء الكوميدي والتراجيدي في مشاهد عدة.

التفاصيل الجسدية والانفعالية

إحدى نقاط قوة أحمد أمين الأخرى في هذا الدور تكمن في قدرته على تقديم لغة جسد دقيقة تتناسب مع طبيعة الشخصية؛ فمن خلال طريقة مشيه، نظراته المرتابة أحيانًا، وملامحه التي تتغير حسب الموقف، استطاع أن يجسد شخصية النشال التائب بطريقة طبيعية دون مبالغة أو افتعال، وهو أداء مدروس يعكس تطور أدواته كممثل ناضج قادر على التنقل بين المشاعر المختلفة بسلاسة.

وفي لفتة يجب الإشارة إليها في تلك النقطة، أن أداء أحمد أمين الاستثنائي لم يكن ليبرز بهذا الشكل لولا الانسجام بينه وبين طاقم العمل، حيث يظهر بوضوح تفاعله القوي مع شخصيات مثل حمزة العيلي، وأسماء أبو اليزيد، وصدقي صخر، وعبد الرحمن محمد، فهذه الديناميكية تضيف أبعادًا جديدة للعمل، وتجعله أكثر واقعية وثراءً دراميًا.

القاهرة القديمة

ما يميز “النُص” ليس فقط القصة والأداء التمثيلي، بل أيضًا المعالجة البصرية التي اعتمدها صناع العمل، حيث تم تصوير المشاهد بأسلوب سينمائي يليق بالفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، من خلال الإضاءة الخافتة في الأزقة، والألوان الترابية المستخدمة في الملابس والديكورات، وهي كلها تفاصيل تعكس أجواء القاهرة القديمة وتعزز الإحساس بالزمن والمكان.

كل ذلك يعززه أيضًا التصوير بلقطات واسعة تستعرض جماليات القاهرة القديمة، مقابل لقطات مقربة تُبرز تعابير الشخصيات وانفعالاتها، وهذا الأسلوب يجعل المشاهد يشعر وكأنه جزء من عالم المسلسل، يتنقل بين أزقة الحارات القديمة ويعيش تفاصيل الحياة اليومية لأبطاله.

نرشح لك: في الحلقة الثامنة من النُص.. تحالف عبد العزيز مع الصاغ علوي لمواجهة الإنجليز 

close