في مدينة الجموم 25كلم شمالي الحرم المكي، تطلّ مئذنة مسجد تاريخي بقي منذ السنة الثامنة للهجرة شاهداً على قصة فتح مكة في زمن النبوة.
وتروي المصادر التاريخية قصة مرور النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمنطقة (مرّ الظهران) ليلة فتح مكة في العام الثامن من الهجرة النبوية، قادماً من المدينة المنورة ومعه 10 آلاف من المسلمين.
وحيث تقف أركان المسجد اليوم شاهدة على نزل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته أثناء دخول وقت صلاة العشاء، وأمر الجيش بالتخييم وإيقاد النيران استعداداً لدخول مكة، وجعل عمر بن الخطاب على الحرس، وفي موضع المسجد التقى النبي بأبي سفيان معلناً إسلامه، ومنه انطلق جيش الفتح إلى أم القرى، وبات بذي طوى، ثم صلى الفجر، ودخل مكة فاتحاً ضحى الأربعاء في العشرين من رمضان للسنة الثامنة من الهجرة.
ويرتبط مسجد الفتح، الذي سمي هو والحي الذي يقع فيه تميناً بقصة فتح مكة المكرمة في صدر الإسلام، بعدد من المواقف والروايات التي نقلها المؤرخون، وضاعفت من قيمته التاريخية، وجذبت إليه اهتمام المسلمين من أطراف العالم، ممن يحرصون عند وصولهم إلى السعودية على زيارته، والمرور به للوقوف عن كثب على آثار الحقبة الإسلامية الأولى، وما كابده المسلمون من مشاق وتحديات في فجر التاريخ الإسلامي.
وبقي هذا الموضع التاريخي مهملاً لفترات متقطعة عبر العصور، وتعرضت أبنية المسجد التي شيدت فيه تباعاً لحالات من التخريب والهدم والإهمال مرات كثيرة عبر التاريخ، وبني في بعض الأوقات بأحجار مرصوصة غير مكتملة، وبأسوار قصيرة من دون سقف.
ورغم ذلك احتفظ المسجد بقيمته التاريخية، وببقايا من آثار من مرّ به وسكن في محيطه، وقد عثر حول بنائه الحجري القديم على بقايا من أزيار فخارية وأوانٍ خزفية متناثرة وقطع نقدية وعملات بيزنطية وهندية في محيطه ومحيط المنازل الحجرية وعيون المياه والنخيل التي تنتشر حوله. واستمر المسجد على حالته تلك حتى أعيد تشييده على قواعده القديمة قبل 50 عاماً، واستمرت الصلاة فيه، مع اهتمام الأهالي به، ورعايتهم لاحتياجاته.
مسجد الفتح يستعيد رونقه التاريخي
لكن واقعاً جديداً لمسجد الفتح أعاد إليه رونقه التاريخي، بعد أن أحيا مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية نسيجه التاريخي القديم إذ اكتسى المسجد بعد المشروع حلة جديدة، وفتح أبوابه للمصلين، بعد أن زادت مساحته ورفعت طاقته الاستيعابية للمصلين إلى 333 مصلياً.
وقد أعيد ترميم المسجد باستخدام مواد بناء طبيعية على الطراز المعماري للمنطقة الغربية، ومن تلك المواد الطوب والحجر البازلتي والجبس والخشب، فيما تبرز الرواشين والمشربيات بوصفها أحد عناصر بناء المسجد التي تعبر عن النافذة أو الشرفة البارزة المصنوعة من أجود ألواح الخشب، وتستخدم في تغطية النوافذ، والفتحات الخارجية.
ويتميز البناء على الطراز المعماري للمنطقة الغربية في السعودية بتحمل الظروف الطبيعية المحيطة على الساحل، فيما تشكّل المساجد التاريخية تحفاً معمارية تعكس ثقافة بناء متقنة، وتمثّل الأخشاب عنصراً بارزاً منذ أوائل القرن الـ14 الهجري، حيث تتسم المساجد ببساطة تصميم الواجهات، وبروز العنصر الخشبي، والمحافظة على درجات حرارة معتدلة داخل المسجد.
يشار إلى أن المرحلة الثانية من مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية ضمت 5 مساجد بمنطقة مكة المكرمة بهدف حماية نسيجها التاريخي وترميمها، إضافة إلى إطالة عمرها والحفاظ على سلامة طابعها المعماري المتأثر بتغيرات أنماط مناخ الأرض خلال القرون والعقود السابقة.