الجزائر تعلّق علاقاتها القنصلية مع 3 محافظات في فرنسا

قررت الجزائر تعليق علاقاتها القنصلية مع ثلاث محافظات فرنسية، شهدت في الأسابيع الماضية ترحيل عدد من المهاجرين الجزائريين المقيمين فيها بطريقة غير قانونية، والذين رفضت الجزائر استلامهم، وأعادتهم على الطائرات نفسها التي نقلتهم من فرنسا؛ ما فاقم الأزمات بين البلدين اللذين يشهدان تصاعداً في الخلافات منذ الصيف الماضي بشكل غير مسبوق.

البرلمان الفرنسي خلال مناقشة اتفاق الهجرة الجزائري – الفرنسي (صورة أرشيفية لجلسة عامة بالجمعية الوطنية)

أكدت المحطة الإذاعية الفرنسية «أوروبا 1»، الثلاثاء، «وفقاً للمعلومات التي وصلت إليها»، أن القنصليات الجزائرية في مدن نيس، مونبلييه ومرسيليا قد أوقفت تعاونها القنصلي مع المحافظات التابعة لها، والتي يقيم فيها عدد كبير من الجزائريين، منهم مهاجرون غير نظاميين.

ويؤدي القرار الجزائري إلى تجميد الاستماع القنصلي للسجناء والمحتجزين الجزائريين في فرنسا. وبالتالي، فإنه لن يتم إصدار أي تصاريح قنصلية من هذه المدن حتى إشعار آخر. علماً أن للجزائر 18 قنصلية في فرنسا، تقع في المدن التي تضم أكبر عدد من المهاجرين الجزائريين، وأهمها مرسيليا التي تعد تاريخياً مقصداً لآلاف الجزائريين، الباحثين عن فرص عمل منذ الاستقلال عام 1962.

ولم تعلن السلطات الجزائرية عن هذه الخطوة، التي تبدو ردَ فعلٍ صارماً على ما تطلق عليه وزارة الداخلية الفرنسية «أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية»، التي صدرت بحق عشرات المهاجرين الجزائريين غير النظاميين في هذه المدن، بعضهم متهم بـ«التحريض على العنف»، و«المساس بالنظام العام».

وزير الداخلية الفرنسي (رويترز)

وقبل تفجر الخلافات بين البلدين الصيف الماضي، على خلفية اعتراف باريس بالحكم الذاتي المغربي للصحراء، كان التعامل بين وزارة الداخلية الفرنسية وقنصليات الجزائر يتم بشكل عادي نسبياً. وكان ذلك يتجسد خصوصاً في إحالة مهاجرين سريين غير حاملين لجوازات سفر إلى هذه القنصليات، في حال وجود شكوك حول أصلهم الجزائري، بغرض التحقق من هويتهم. وإذا ثبت للقنصل الجزائري أن أحدهم من الجزائر، يصدر تصريحاً قنصلياً بالترحيل، يسهل على السلطات الفرنسية تنفيذ العملية.

رئيس حزب اليمين المحافظ في فرنسا (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

في 2021، انتقد وزير الداخلية الفرنسي السابق، جيرالد دارمانان، «العدد القليل من تصاريح الإبعاد الصادرة عن القنصليات الجزائرية»، عادّاً أن الجزائر «لا تتعاون بالشكل الكافي» في هذا المجال. وأعلنت وزارة الداخلية في تلك الفترة أن عدد المعنيين بالترحيل هم «بالآلاف». ورد الرئيس عبد المجيد تبون في مقابلة مع صحف محلية بأن دارمانان «لا يقول الحقيقة» بشأن العدد، مؤكداً أنهم «بضعة عشرات» فقط.

وعبَّرت باريس عن عدم رضاها عن «قلة التعاون القنصلي مع الجزائر»، بتقليص حصتها من التأشيرات إلى النصف. وشمل القرار أيضاً تونس والمغرب.

وعلى إثر قرار تعليق العلاقات القنصلية، علَّق نائب الدائرة الأولى في منطقة الألب البحرية بجنوب شرق فرنسا، إيريك سيوتي قائلاً: «أصبحت إعادة الجزائريين الآن مستحيلة تماماً، بعد أن كانت صعبة حتى الآن».

ويرأس سيوتي حزب «اتحاد اليمين الجمهوري»، وقد أطلق العام الماضي حملة في البرلمان لنقض اتفاق الهجرة مع الجزائر، الذي يعود إلى عام 1968.

وعادت حملات اليمين لتشتعل ضد هذا الاتفاق بقوة، بقيادة وزير الداخلية الحالي برونو ريتايو، في سياق التوترات الحالية، على الرغم من أن الرئيس إيمانويل ماكرون حسم هذا الجدل بتأكيده أن «قضية الاتفاق» تدخل ضمن صلاحياته وحده، مستبعداً إلغاء الوثيقة التي تتحفظ الجزائر على وصفها من طرف رافضيها بأنها «تفضيلية لرعاياها»، مقارنة بباقي المهاجرين من الجنسيات الأخرى في فرنسا.

المؤثر دوالمين (إ.ب.أ)

واندلعت «أزمة ترحيل المهاجرين غير النظاميين» في يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما رفضت الجزائر دخول المؤثر «دوالمن»، المتهم من طرف فرنسا بـ«التحريض على قتل معارضين للنظام الجزائري في فرنسا». وتلاحقت بعد ذلك عمليات الإبعاد لتشمل 23 جزائرياً، أعادتهم الجزائر إلى فرنسا بمجرد وصولهم إلى مطاراتها.

وجاء التصعيد الجزائري تزامناً مع تأكيد وزير الخارجية الفرنسي، الثلاثاء، بأن بلاده تريد إقامة «علاقات جيدة» مع الجزائر، معرباً عن أمله في أن «تبدأ السلطات الجزائرية مرحلة جديدة» في العلاقات الثنائية من خلال معالجة مشكلة الهجرة.

وزير الداخلية الفرنسية يعلن في منشور عن توقيف يوتيوبر جزائري يسمى عماد (متداولة)

وقال جان نويل بارو خلال جلسة في الجمعية الوطنية: «من المؤكد أن فرنسا تتطلع إلى إقامة علاقات جيدة مع الجزائر، وهي دولة مجاورة تربطنا بها علاقات وثيقة»، مضيفاً: «لكي يحدث هذا، لا بد أن تهدأ العلاقات، ولكن لا يمكن فرض الهدوء من جانب واحد».

close