اجتماعات وتحركات مكوكية.. مصر تؤكد دعمها لتثبيت تهدئة غزة وتقدّر تصريحات ترامب





الجمعة 14/مارس/2025 – 09:43 ص

في خطوة تعكس ثبات الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية، أعربت القاهرة، اليوم الخميس، عن تقديرها لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أكد فيها عدم مطالبة سكان قطاع غزة بمغادرته.تصريحات ترامب جاءت خلال لقائه مع رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن، حيث شدد على ضرورة تجنب أي خطوات قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.الموقف المصري، الذي جاء سريعًا وواضحًا، يعكس إدراك القاهرة العميق لحساسية الأوضاع في القطاع، وحرصها على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. بالنسبة لمصر، يمثل تثبيت الوضع في غزة خطوة أساسية على طريق تحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، والذي لن يتحقق إلا من خلال حل شامل يستند إلى رؤية واضحة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.تحركات دبلوماسية لم يكن الموقف المصري مجرد رد فعل سياسي، بل جاء ضمن تحرك دبلوماسي نشط تقوده القاهرة على الساحة الإقليمية والدولية. في إطار هذه الجهود، شارك وزير الخارجية والهجرة المصري د. بدر عبد العاطي، بناءً على تكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسي، في اجتماع وزاري عربي – أمريكي استضافته العاصمة القطرية الدوحة يوم الأربعاء، 12 مارس 2025.ضم الاجتماع وزراء خارجية قطر والسعودية والأردن، ووزير الدولة بالخارجية الإماراتية، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيفين ويتكوف. وزير الخارجية المصري عبد العاطي قال عقب الاجتماع: التزام المجتمع الدولي بدعم جهود إعادة الإعمار هو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار.جاءت هذه اللقاءات في أعقاب القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة مطلع الشهر، والتي أُقرت خلالها خطة عربية لإعادة إعمار غزة، في خطوة تهدف إلى تخفيف معاناة سكان القطاع، وتهيئة الأرضية لتسوية سياسية مستدامة.إعادة الإعمارخلال الاجتماع، استعرض الوزير عبد العاطي تفاصيل الخطة العربية لإعادة إعمار غزة، موضحًا أنها تستند إلى رؤية شاملة لمعالجة الجوانب الإنسانية والاقتصادية والأمنية في آنٍ واحد.في عرضه، ركز الوزير على أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة بفعل الصراع تمثل حجر الزاوية في هذه الخطة. فإصلاح شبكات الكهرباء والمياه، وإعادة تأهيل الطرق والمرافق العامة، يعدان خطوة أولى لا غنى عنها لإعادة الحياة إلى طبيعتها في القطاع.لم يتوقف الأمر عند البنية التحتية، بل أوضح الوزير أن الخطة تشمل أيضًا إصلاح المرافق الصحية والتعليمية، لضمان عودة المؤسسات العامة إلى العمل بكفاءة. فمن وجهة نظر القاهرة، لا يمكن الحديث عن استقرار حقيقي في غزة دون توفير خدمات أساسية تضمن حياة كريمة لسكان القطاع.في الجانب الاقتصادي، شدد الوزير على أن تعزيز النشاط الاقتصادي يمثل محورًا رئيسيًا في الخطة، إذ تعتزم الدول العربية دعم المشروعات الصغيرة، وخلق فرص عمل جديدة للشباب الفلسطيني، بهدف تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وكسر دائرة الفقر والبطالة التي أثقلت كاهل سكان غزة على مدار سنوات طويلة.أما على الصعيد الأمني، أوضح عبد العاطي أن الخطة ترتكز على ترسيخ الاستقرار عبر آليات مراقبة دولية وضمانات إقليمية، تضمن عدم تكرار التصعيد العسكري، وتوفر بيئة آمنة تسهم في تعزيز جهود إعادة الإعمار.الوزير المصري شدد على أن نجاح هذه الخطة يتطلب التزامًا دوليًا واضحًا، مشيرًا إلى أن القاهرة تعمل على ضمان توفير دعم سياسي ومالي واسع لهذه الجهود. فإعادة إعمار غزة، كما أكد عبد العاطي، ليست مجرد عملية إنسانية أو اقتصادية، بل هي جزء من رؤية سياسية شاملة تهدف إلى بناء أساس متين للسلام والاستقرار في المنطقة بأسرها.تفاعل الأطرافالمبعوث الأمريكي ستيفين ويتكوف أشاد بالدور المصري في تحقيق الاستقرار في المنطقة، مؤكدًا أن مصر تمثل ركيزة أساسية في أي جهود لإعادة الإعمار أو تحقيق السلام..كما أبدى ويتكوف تفهمًا واضحًا لمطالب الدول العربية بضرورة تثبيت وقف إطلاق النار كخطوة أساسية قبل البدء في تنفيذ خطة إعادة الإعمار.بالتوازي مع هذا الحراك الدبلوماسي، برزت مؤشرات إيجابية على صعيد المفاوضات بين إسرائيل وحماس. فبحسب مصادر استخباراتية، فإن المرونة التي أبدتها حماس في الفترة الأخيرة لم تكن مصادفة.الحركة، التي أجرت محادثات مباشرة مع مسؤولين أمريكيين كبار في الدوحة، ترى في هذه القنوات فرصة لتعزيز موقفها السياسي، حتى وإن لم تحقق كل مطالبها الأساسية.على الجانب الآخر، فإن إسرائيل تواجه معضلة معقدة. فالتنسيق الأمريكي مع حماس، بعيدًا عن إشراف تل أبيب الكامل، يضع الحكومة الإسرائيلية في موقف صعب.القلق الإسرائيلي يتزايد مع إدراك أن استمرار المفاوضات المباشرة بين واشنطن وحماس قد يسحب من يدها أوراق الضغط الرئيسية.ملامح صفقة في ضوء هذه التغيرات، تشير التقارير إلى أن هناك احتمالًا واقعيًا لعقد صفقة جديدة تشمل الإفراج عن 10 رهائن إسرائيليين مقابل عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، بينهم محكومون بالسجن المؤبد.الصفقة المقترحة تتضمن أيضًا تمديد وقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين شهر إلى شهرين، بما يمنح الأطراف فرصة لمواصلة التفاوض حول الملفات العالقة.رغم أن فرص نجاح الصفقة لا تزال غامضة، فإن الجانبين أبديا استعدادًا لمناقشة خطوات تدريجية. فحماس تدرك أن الاحتفاظ بورقة الرهائن يمثل “التأمين الوحيد” لها في هذه المفاوضات، فيما تسعى إسرائيل إلى تحقيق إنجاز داخلي من خلال الإفراج عن رهائن دون تقديم تنازلات سياسية كبيرة.دور مصر تدرك مصر أن تحقيق الاستقرار في غزة ليس مجرد خطوة إنسانية، بل هو جزء من رؤية استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة صياغة ملامح المشهد السياسي في المنطقة. من هذا المنطلق، تسعى القاهرة إلى لعب دور محوري في حشد دعم دولي وإقليمي لتحقيق هذا الهدف.في هذا السياق، تعمل مصر على دفع الأطراف الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى ممارسة ضغوط فعلية على كل من إسرائيل وحماس للقبول بخطة إعادة الإعمار. القاهرة ترى أن التقدم في مسار الإعمار لا يمكن أن يتحقق دون التزام واضح من طرفي النزاع، والتوصل إلى تفاهمات تضمن استمرارية العملية وتجنب العودة إلى مربع التصعيد.على الصعيد العربي، تبذل مصر جهودًا حثيثة لتعزيز التنسيق العربي من خلال تكثيف اللقاءات الدبلوماسية بين العواصم المؤثرة. فالتحرك الجماعي للدول العربية يشكل ورقة ضغط أساسية، ليس فقط على أطراف النزاع، بل أيضًا على القوى الدولية المعنية بملف السلام في الشرق الأوسط.الرؤية المصرية لا تقتصر على البعد الإنساني أو الاقتصادي، بل تمتد إلى المسار السياسي. إذ ترى القاهرة أن استئناف مسار التسوية على أساس حل الدولتين هو الأساس الوحيد لتحقيق سلام دائم في المنطقة.من وجهة نظر مصر، لا يمكن لأي خطة إعادة إعمار أن تنجح على المدى الطويل إذا ظلت الأوضاع السياسية في حالة جمود. لذا، تسعى القاهرة إلى إحياء مفاوضات السلام عبر تنسيق الجهود العربية والدولية، بهدف الوصول إلى حل يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة، تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل في إطار سلام شامل ومستدام.توقعات مهمةالتوقعات تشير إلى أن الفترة المقبلة قد تحمل في طياتها تطورات مهمة على أكثر من مستوى، ما يعكس حالة من الحراك الدبلوماسي المكثف في الإقليم.على صعيد المفاوضات، يُنتظر أن يتم الإعلان عن صفقة تبادل جديدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، رغم العقبات التي لا تزال قائمة.التفاهمات الأولية التي جرى التوصل إليها برعاية أمريكية ووساطة قطرية ومصرية، قد تؤسس لاتفاق مرحلي يفضي إلى إطلاق سراح عدد من الرهائن المحتجزين لدى حماس، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين. ومع ذلك، تبقى حساسية الملفات الأمنية والسياسية بين الطرفين عقبة أساسية قد تؤثر على مسار التنفيذ.دبلوماسيًا، من المتوقع أن تستضيف القاهرة اجتماعًا موسعًا يضم الأطراف المعنية بعملية السلام، في محاولة لبناء توافق دولي حول الخطة العربية لإعادة إعمار غزة.الاجتماع المرتقب سيشكل اختبارًا لمدى استعداد القوى الإقليمية والدولية للالتزام بدعم سياسي ومالي طويل الأمد، يضمن تنفيذ الخطة بشكل متوازن ومستدام.القاهرة تراهن على أن توحيد الموقف العربي والدولي سيكون عاملًا حاسمًا في كسر الجمود السياسي، وتهيئة الأرضية لاستئناف مسار التسوية.ميدانيًا، فإن تمديد وقف إطلاق النار، حتى لو جاء في إطار زمني محدود، سيمنح سكان غزة فرصة لالتقاط الأنفاس، ويخلق ظروفًا مواتية لبدء عملية إعادة بناء ما دمرته الحرب. كما أن تثبيت التهدئة سيسمح بإدخال المساعدات الإنسانية على نطاق أوسع، ويعزز من فرص تنفيذ مشاريع البنية التحتية وفقًا للخطة العربية.في الوقت نفسه، فإن نجاح التهدئة قد يشكل مدخلًا لخلق زخم سياسي يفضي إلى استئناف المفاوضات على أسس أكثر استقرارًا.بذلك، تقف المنطقة أمام مرحلة مفصلية، حيث تمتزج الفرص بالتحديات، وتصبح قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على إدارة هذه المرحلة بحكمة، العامل الحاسم في تحديد ملامح المستقبل القريب.وسط هذه التحركات المكثفة، تظل القاهرة في قلب المشهد. فبين جهود التهدئة، وقيادة إعادة الإعمار، والدفع نحو السلام، تحاول مصر أن تمسك بالخيوط كافة.ومع استمرار المحادثات، يبدو أن الأفق ليس مغلقًا تمامًا. فالنهاية قد تكون مفتوحة، لكن القاهرة تراهن على أن الفرصة لا تزال قائمة لتحقيق سلام عادل ومستدام في الشرق الأوسط.وبين تحديات السياسة وضغوط الميدان، تراهن القاهرة على أن طريق السلام يبدأ من غزة، وأن النجاح في هذه المعركة الدبلوماسية قد يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط.

close