عذرا.. الجولاني لا يمثلني

عذرا.. الجولاني لا يمثلني

د. هيثم علي الصديان

حين انطلقت ثورتنا المباركة على نظام الأسد، كنتُ أخرجُ وحيداً منفرداً لأنضمّ إلى تلك الجموع، من دون أن ألتفتَ إلى تنسيق أو تنظيم. كانتْ حالةً وجدانيّةً رومانسيّةً فرديّةً رغمَ الرصاص والموت. وحين اعتُقلت لم يصدّق المحقّق أنني لا أعرف أيّ اسم من المشاركين في التظاهرات… فكان جهلي بالأسماء رحمةً وحصانةً لي وللمشاركين…
واليوم بعد مئة يوم من هذه السلطة فإنّي أعلنُ وقوفي ضدّها فهي لا تمثّلني.( لم أقف ضدّ ذلك النظام بسبب أنّه لم يكن يمثّلني طائفيّاً، بل لأنّه لم يمثّلني وطنيّاً ولا قوميّاً، ولن أقف مع هذه السلطة لأنّها من طائفتي… فطائفتي سوريا، وقدوتي محمّد حين قيل له: يا محمّد اعدل. فقال: ويحك إن لم أعدل فمن سيعدل).
لقد احتاج حافظ الوحش إلى خمس سنوات ليحوّل نفسه إلى المستبدّ الأوحد. وجاء ابنه فظلّ سنتين أو ثلاث ليكشف عن وجهه المستبدّ
أمّا الجولانيّ فقد سبقهما زمناًّ وفاقهما استحواذاً على السّلطات؛ فما كان يماري فيه الوحشُ وابنه ويتستّران عليه بلباس الديمقراطيّة المزيّفة، جاء به “سيّد” القصر الجمهوريّ اليومَ علناً، ومن دون مواربة… هذا وهو ابن مئة يوم، فكيف بعد خمس سنوات، كلّ سنة فيها كألف سنة ممّا نعدّ….؟!.
السّنّة ليست كتلةً بشريةً ننتمي إليها، بل هي منهجُ محمّد وصحابته في الحقّ والعدل؛ فكن على الحقّ والعدل، أنّى كان، تكن سنيّاً…
فإذا كانت بعض القوى قد اطلقت يدك في سوريا(لغاية ما)، فمن يستطيع أن يطلق يدك في سنّة الله التي لا تبديل لها؟!.
لقد أراد الغرب من هذا فخّاً سياسيّاً وحضارياً؛ ليقول فيه: هذه هي السنّة، وهذا نهجهم في الحياة، وكلّهم سواء….!!!
وهذا قد يمهّد لتقسيم؛ فعلينا ألّا نكونَ أداتَهُ الأولى ودينمو تحريكه. علينا ألّا نثبت للمرّة الألف قصور العقل الإسلاميّ عامّة، والسّنّيّ خاصّة… فالتاريخ لا يرحم البلهاء.
في البلدان الطائفيّة كلّما زادت أخطاء المستبدّ، زاد التفاف طائفته حوله. ليس دفاعاً عن الأخطاء ولا تأييداً لها، وإنّما خوفاً من العاقبة، لأنّ المعيار لم يعد على أساس المواطنة، بل على أساس الجماعة؛ فيغيب العقل وتحضر العاطفة والتعصّب والنفاق، ويصير المنطقُ منطقَ القطيع، منطق طائفتي وطائفتك، لا منطقَ الحقّ (وما أنا إلّا من غزيّة إن غوت غويت وإن ترشد أرشد)… فلا يعود مكانٌ للخجل ولا الحياء؛ ولا يداري الجار جاره ولا يستحي الصديق من صديقه، وتنعدم الفوارق بين العامّة والنخبة، وبين الحيي والوقح والعاقل والأحمق والصادق والمنافق(تحدّثني عن خطأ واحد لنا، استشهد لك بعشرة أخطاء مماثلة لكم)… الكلّ سواء…
وإلى السعوديّة وقطر وتركيا: لقد ظللتم أربع عشرة سنة عاجزين عن هدم نظام متهالك اسقطته إسرائيل في أيّام…. فأنّى لكم أن تنجحوا في بناء نظام متهالك كذلك؟!… والبناء ليس كالهدم… والعاجز في الهدم فهو في البناء أعجز…
الأقليّة والأكثريّة ليستا عدداً إنّما عقليّة…
والعقليّة الأقلّياتيّة مبنيّة على وعي الانهزام والضعف تجاه الآخر؛ لذلك فهي تريد حتّى لخيباتها أن تحوّلها إلى إنجاز؛ تحت تأثير وهم الخوف من شماتة الآخر.
تعازيّ للعلويّين…..للذين بكَوا استباحتهم يوم غنّى أبناءُ وطنِهم مجدَ انهزامهم…
اللهمّ فأشهد
وأريد أن أختم بهذا:
لإعطاء لقبِ “سيّدٍ” لوحشٍ متوحّشٍ أنت بحاجة  إلى عشرةِ آلافِ “مُثَقَّفٍ” رخيصٍ، هانتْ عليهم ضمائرُهُمْ، فجمعوا له حروفَ اللقبِ وحركاتهِ ونقاطهِ، حبراً أحمرَ من مدادِ دمِ الأبرياء.
فلا نريد أن تخجل أجيالنا القادمة منّا.
كاتب سوري

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم:

close