تساؤلات حول نشر قوة سلام في حال إبرام هدنة بأوكرانيا

تتقاسم باريس ولندن الدور الريادي لجهة الدفع باتجاه تشكيل قوة مشتركة يمكن أن تنضم إليها دول أخرى مثل كندا وأستراليا للإشراف على هدنة محتملة في الحرب بين روسيا وأوكرانيا أو لضمان اتفاق سلام قد يتوصل إليه الطرفان.

وتعمل العاصمتان الأوروبيتان بالتناوب؛ فبعد أسبوع شهد اجتماعاً موسعاً لقادة أركان 37 بلداً أوروبياً وغير أوروبي (ضم كندا وأستراليا واليابان ونيوزيلندا وضباطاً من الحلف الأطلسي)، في باريس بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون، ها هو اجتماع مماثل سيُعقد في لندن، الخميس المقبل، بدعوة من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. وكان الأخير قد أدار، السبت الماضي، «قمة» عن بُعد لقادة أوروبيين وغير أوروبيين مقتدياً بما فعله ماكرون يوم 17 فبراير (شباط) الماضي. وبعيداً عن التسابق بين لندن وباريس، فإن الطرفين يعملان يداً بيد من أجل ولادة القوة المشتركة؛ فماكرون حث قادة الأركان الذين حضروا إلى باريس في 11 من الشهر الحالي للانتقال إلى «المرحلة العملية» لتشكيل القوة المذكورة. والسبت الماضي، قال ستارمر، في معرض تقديمه لخلاصات «القمة» غير الرسمية، إن اجتماع الخميس المقبل سيكون لـ«مناقشة المرحلة العملانية»؛ أي تشكيل القوة الموعودة وتعيين الدول التي ستوفر وحدات من جنودها وعديدها، ولكن قبل ذلك تحديد مهماتها غير الواضحة حتى اليوم. وأشار ناطق باسم ستارمر إلى أن «قدرات المساهمين في قوة «تحالف الراغبين» سوف «تتباين، ولكن القوة ستكون كبيرة مع وجود عدد كبير من الدول الراغبة في المشاركة».

حتى اليوم، هناك أمر محسوم وقوامه أن العمود الفقري لهذه القوة سيتشكل من البريطانيين والفرنسيين. وسبق للجانب البريطاني أن أشار إلى قوة من 20 إلى 30 ألف رجل. وتضمنت تصريحات ماكرون لمجموعة من الصحف الصادرة في الأقاليم الفرنسية ونُشرت، السبت، بعض التفاصيل، ومنها أن القوة المشتركة لن تُنشر على خط وقف إطلاق النار، بل في عدد من «النقاط الرئيسية» الحساسة على الأراضي الأوكرانية. وترى مصادر معنية في باريس أن الغرض هو «تجنُّب الاحتكاك» مع القوات الروسية، وأنه في حال التوصل إلى اتفاق سلام، فإن مهمة القوة، بحسب الرئيس الفرنسي، ستكون «توفير الضمانات الأمنية» التي تطالب بها أوكرانيا حتى لا تتعرض أراضيها لاحقاً لاستهداف روسي.

صورة نشرها الجيش الأوكراني الاثنين تظهر بعض جنوده يطلقون قذيفة «هاون» باتجاه مواقع روسية في موقع غير مُعلن في دونيتسك (أ.ف.ب)

عقبات ومحاذير

رغم ما تؤكده لندن وباريس من أن «دولاً كثيرة» منها غير أوروبية مثل كندا واليابان وتركيا، مستعدة للمشاركة في «تحالف الراغبين» ميدانيا، فإن دولاً أوروبية رئيسية كألمانيا وبولندا وإيطاليا غير متحمسة لإرسال جنودها إلى أوكرانيا ولو من أجل مهمات غير قتالية. ووفق تصريحات ماكرون المشار إليها، فإن مهمة القوة الموعودة يمكن أن تشمل عمليات تدريب القوات الأوكرانية، ودعم دفاعات البلاد وغيرها من المهام المتصلة.

بيد أن هناك عقبات يصعب تخطيها من شأنها أن تحول دون نشر هذه القوة على الأراضي الأوكرانية. وأولى العقبات الرفض الروسي الجذري لها والذي عبر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف أكثر من مرة وتناوله، الأحد، ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي المعروف بتصريحاته النارية. ووصف الأخير ما يقوم به ماكرون وستارمر بأنهما «يلعبان لعبة غبية». وإذ ذكر أن موسكو حذرت مراراً من أن «قوات حفظ السلام يجب أن تكون من دول لا تنتمي إلى الحلف الأطلسي» توجه مباشرة إلى ماكرون وستارمر قائلاً: «أنتما تريدان تقديم المساعدة العسكرية للنازيين الجدد في كييف. هذا يعني الحرب مع الأطلسي. استشيرا ترمب، أيها الوغدان». بيد أن الرئيس الفرنسي قلل من أهمية ما تقوله موسكو؛ إذ أكد، في المقابلة نفسها، أن موافقة موسكو على نشر هذه القوة ليست ضرورية، وأن أوكرانيا «دولة ذات سيادة، وإذا طلبت أن تكون قوات الحلفاء على أراضيها فالأمر ليس متروكاً لروسيا لقبوله أو عدم قبوله».

ليس معروفاً ما إذا كانت دول «تحالف الراغبين» تتبنى كلها الموقف الفرنسي خصوصاً أن العديد منها، بما فيها بريطانيا، يربط مشاركته بـ«توافر الضمانات» الأميركية لدعم ومساندة القوة المشتركة. والحال أن الطرف الأميركي، بلسان الجنرال كيث كيلوغ الذي ثبَّته الرئيس ترمب، نهاية الأسبوع، «مبعوثاً خاصاً» إلى أوكرانيا، أكد مسبقاً ومراراً بمناسبة «مؤتمر الأمن» في ميونيخ، الشهر الماضي، أن واشنطن «لن توفر ضمانات أمنية» من جهة ومن جهة أخرى، أن القوة الأوروبية «لن تكون تحت الراية الأطلسية»، بل تقع مسؤوليتها على الدولة التي ترسلها. ووفق مصدر أوروبي في باريس، فإن المحادثات الأميركية ــ الروسية قائمة؛ وبالتالي فإن مصير القوة المشتركة مرهون، إلى حد كبير، بما يمكن أن تفضي إليه هذه التفاهمات. والمستبعد أن تصر لندن وباريس على إرسال قوة عسكرية إلى أوكرانيا «من دون ضوء أخضر من واشنطن». وفي أي حال، فإن أطرافاً أوروبية، كألمانيا، ترى أن البحث في إرسال قوة إلى أوكرانيا «مبكر» وبالتالي يتعين ترقب المسار الذي ستسلكه الاتصالات القائمة والتي يلعب الأميركيون فيها الدور المركزي.

قواعد الاشتباك

ثمة أسئلة رئيسية تُطرح منذ اليوم، وتفتقر لإجابات واضحة، أولها يتناول ما يسمى «قواعد الاشتباك» التي تعني طبيعة تصرف القوة الموعودة في حال تعرُّض مواقعها أو مواقع أوكرانية لهجمات روسية. والسؤال هو: هل تكتفي بتسجيل الانتهاكات الروسية أم أنها مخولة بالرد عليها؟ وفي حال الرد والرد المضاد، ألن يفضي ذلك إلى اشتباكات واسعة وحتى إلى مواجهة مباشرة بين ثاني أكبر قوة نووية في العالم ومع قوة مشتركة عمادها قوتان نوويتان أوروبيتان (فرنسا وبريطانيا)؟ وفي أي حال، يتعين تذكُّر أن ترمب أخذ على الرئيس زيلينسكي في الاجتماع الشهير في المكتب البيضاوي أن ما يطلبه من ضمانات أمنية يمكن أن يفضي إلى حرب نووية، في إشارة إلى سيناريو مواجهة أميركية ــ روسية.

حتى اليوم، لم تشر أية جهة مسؤولة إلى المدة الزمنية التي سيستغرقها نشر القوة المشتركة، ولا إلى كيفية تنظيمها وتمويلها وسلسلة القيادة التي ستتولى إدارتها. وإذا كان التصور المتعارف عليه أنها ستنتشر في «نقاط رئيسية»، فليس من المعروف طبيعة هذه النقاط: أهي العاصمة والمدن الكبرى أم المواقع الحساسة مثل المراكز الصناعية أو الدفاعية الاستراتيجية؟

الواضح حتى اليوم أنه «لا توجد خريطة طريق» واضحة لما ينوي «تحالف الراغبين» القيام به، ولا ترجمة مفصلة للأهداف المرتقبة، ولا لكيفية تحقيقها، ومن ثم فإن ما يدعو إليه ماكرون وستارمر للانخراط في «المرحلة العملانية» الذي يعني الدخول في تفاصيل المهمة يبدو أمراً ملحاً. والصعوبة أن الاتفاق على العناوين دائماً ما يكون أكثر سهولة من الاتفاق على الجزئيات التي منها تنبت الصعوبات.

close