في بيروت.. بين أصوات المئذنة والأجراس يتجدد عهد السلام الجماعي

اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء لم يقتصر على مجرد إجراء رسمي، إذ سعى البابا لاوون الرابع عشر من خلاله إلى توحيد هوية لبنان بمختلف طوائفها حول دائرة مشتركة، تضم رؤساء الطوائف إلى جانبه؛ هذه الدائرة، التي لا بداية لها ولا نهاية، جسدت في نظره رمزًا للتكافؤ والانسجام، في لحظة تجمع بين الروحانية والسياسة، تعيد إبراز لبنان كدليل حي على التعايش، وكضوء يهدي الحوار وسط النزاعات الإقليمية. واجه البابا شعبًا يئن تحت وطأة التحديات، يشتاق إلى الهدوء، مؤكدًا أن لبنان، مع إصاباته، يحتفظ بقدرة على أن يصبح مسقط رأس للعزة والتلاحم.

رمزية الأرض اللبنانية في خطاب البابا

بدأ البابا لاوون كلمته بتلميح عميق إلى حرمة التراب اللبناني، مستذكرًا دلالة أرز لبنان كما ذُكر في الكتاب المقدس، وموصفًا الأرز برمز للروح الخصبة التي تتفتح تحت سماء مراقبة؛ هكذا، أمام تصاعد الشقاق الطائفي والعنصري عالميًا، قدم البابا لبنان كنقيض لهذه الظواهر، مشددًا على الانسجام بين المسلمين والمسيحيين والدروز وباقي الفئات، كإثبات لفرصة الاتحاد رغم التباينات. يعكس هذا النهج، في سياق اللقاء المسكوني، إيمانًا بأن التنوع يمكن أن يصبح قوة دافعة للتقارب، لا سببًا للانفصال، خاصة في بلد يعج بتاريخ التعايش اليومي رغم الضغوط الخارجية والداخلية.

دعوة التصالح من قلب ساحة الشهداء

شهدت الساحة، التي حملت شهادات لبنان من النصر والخسارة، أحداثًا متتالية؛ من تنفيذ الأحرار في عصر العثمانيين، مرورًا بالانتداب الفرنسي وإعلان لبنان الكبير، إلى المظاهرات السياسية والاجتماعية والنقابية، والحرب الداخلية مع خطوط التماس، وصولًا إلى ثورة الأرز في 2005، وانتفاضة أكتوبر 2019، ثم الانفجار الكبير عام 2020، دعوة البابا اللبنانيين للمواجهة مع تاريخهم، والتقدم نحو مسار سلام صعب المنال لكنه قابِل للتحقيق، مدعومًا بإصرار شعب يغلب اليأس بروح الأمل. في هذا السياق، يبرز اللقاء المسكوني كلحظة تحول، تحث على تجاوز الجراح القديمة من خلال خطوات عملية تعزز الثقة المتبادلة بين الجماعات.

  • التعرف على النزاعات التاريخية لفهم جذورها العميقة.
  • فتح قنوات حوار مستمرة بين الطوائف الدينية.
  • بناء مشاريع مشتركة تساهم في التنمية الاقتصادية.
  • تعزيز التعليم عن قيم التعايش منذ الصغر.
  • دعم المبادرات الشعبية للتصالح اليومي في المجتمعات.
  • الالتزام بالعدالة كأساس لأي اتفاق دائم.

آراء قادة دينيين حول رسالة اللقاء المسكوني

قناة “لبنان 24″، التي غطت اللقاء المسكوني عن كثب، أجرت مقابلة مع المطران بولس مطر، الذي أبرز أن زيارة البابا تمثل استدعاءً جليًا للتوفيق مع الماضي والحاضر، والانطلاق نحو سلام مستدام؛ وأضاف أن التنوع في لبنان، رغم أهميته، لا يفي بالغرض إلا إذا تجسد في الواقع عبر نقاشات مفتوحة، وجهود مشتركة، وإقامة روابط الثقة والود بين كل الأطراف. من جهة أخرى، تحدث الشيخ ربيع قبيسي، عضو في لجنة منتدى المسؤولية الدينية الاجتماعية، في حوار مع “لبنان 24″، عن عمق اللقاء بين جامع محمد الأمين وكاتدرائية القديس جاورجيوس المارونية؛ يلخص هذا الموقع، في رأيه، سر لبنان: انفتاح أصيل، تعايش متين، وسعي لا يتوقف للاتحاد. واستذكر قبيسي رسالة البابا من روما كحملة سلام لشعب يستحقه، ونداء مباشر للاجتماع من أجل إنقاذ البلد في هذه اللحظة الحساسة، مستحضرًا قول الإمام موسى الصدر: “احموا وطنكم لبنان قبل أن ينتهي في سلة النفايات التاريخية”؛ وشدد على الحاجة إلى السلام بدل الاستكانة، والإنصاف بدل الجور، والكرامة بدل التنازل، كأعمدة يمكن لبنان أن يبني عليها عودته.

الشخصية الرأي الرئيسي
المطران بولس مطر اللقاء المسكوني دعوة للمصالحة والحوار العملي.
الشيخ ربيع قبيسي الموقع يرمز للانفتاح، ويحمل رسالة سلام وإنقاذ.

في نهاية الأمر، يظل اللقاء المسكوني شاهدا على إمكانية لبنان في توحيد المتفاوتين تحت لواء واحد، حيث يتغلب صوت الانسجام على صخب الفرقة؛ بين أذان وأجراس، يتجدد الوعد بأن السلام خيار يومي، يحمى بالإرادة الجماعية، ويبنى بالعواطف الإيجابية، ويحافظ عليه التمسك بالأمل.