تأثيرات نفسية.. لماذا توقف عن فحص هاتفك كل 10 ثوان يوميًا

التحقق المستمر من الهاتف تحول إلى سلوك يومي غير إرادي لدى الكثيرين، يشبه الغريزة الطبيعية مثل التنفس، كما أشارت صحيفة واشنطن بوست في تقرير حديث؛ حيث حذرت من أن هذا الاستخدام المتكرر قد يضعف القدرات العقلية إذا تجاوز الحدود المعقولة، مستندة إلى دراسات كورية جنوبية عام 2018 وبريطانية عام 2020، اللتان حددتا 110 مرات يومياً كمستوى خطير يؤثر على الإدراك.

كم مرة تتحقق فعلياً من هاتفك يومياً؟

رغم الوعي المتزايد بالمشكلة، أظهر استطلاع لمؤسسة غالوب عام 2022 أن 58% من الأمريكيين يشعرون بالقلق تجاه إفراطهم في استخدام الهواتف، إلا أن تقريراً نشر مطلع 2025 كشف عن متوسط يصل إلى 205 مرات يومياً؛ وأكدت مجلة تايم العام الماضي أن معظم الناس يقومون بهذا التحقق تلقائياً دون تفكير، حيث يصل الأمر إلى 89% من الحالات بدون سبب واضح، كما يرى الدكتور ماكسي هايتماير من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، الذي يصف هذا السلوك كاستجابة للبيئة الرقمية المشبعة.

في عالم الاتصال الدائم، يفسر هايتماير التحقق المستمر من الهاتف كنتيجة للاعتياد على التحفيز الدائم، حيث يشعر الإنسان بعدم الراحة إذا توقف عن النشاط لثوانٍ قليلة فقط؛ أما الأستاذة شيري ميلوماد من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، فتصف الهواتف بأنها “مهدئات للبالغين”، قادرة على تهدئة التوتر والانزعاج بمجرد الاقتراب منها، مما يجعلها مصدر راحة مألوف. ويبرز استطلاع لشركة يوغوف في مايو الماضي أن ثمانية من كل عشرة أمريكيين يضعون هواتفهم داخل غرف النوم بجانب الأسرّة قبل النوم، مما يعزز هذه الاعتمادية؛ فقد يلجأ الشخص إليها عمداً في مواقف اجتماعية محرجة، أو ببساطة لأن العقل اعتاد على الشغل الدائم.

كيف يؤدي التحقق المستمر من الهاتف إلى إدمان؟

يحذر التحقق المستمر من الهاتف من تحول إلى إدمان حقيقي، كما لاحظ الأستاذ لاري روزن من جامعة ولاية كاليفورنيا بعد ثماني سنوات من البحث على المراهقين وجيل الألفية، حيث يصل العدد إلى 50 إلى أكثر من 100 مرة يومياً، أي كل 10 إلى 20 دقيقة أثناء اليقظة؛ وتؤكد الأستاذة آنا ليمبكي من جامعة ستانفورد أن الهواتف والوسائط الرقمية تنشط مسارات المكافأة في الدماغ تماماً كالمخدرات، مما يخلق حلقات عادات قهرية تؤدي إلى ضعف المهارات الإدراكية وأعراض انسحاب عند الحرمان. كما أظهر استطلاع عام 2018 أن 17% فقط يثقون بقدرتهم على قضاء يوم كامل بدون الهاتف، بينما 8% يعتقدون أنهم لن يصمدوا أكثر من ساعة؛ وتفسر الدكتورة آنا كاثرينا شافنر في موقع سايكولوجي توداي أن التصميم القهري للهواتف يستغل مراكز المتعة في الدماغ ليحتكر الانتباه.

بالإضافة إلى الجانب النفسي، يمتد تأثير التحقق المستمر من الهاتف إلى الصحة الجسدية والاجتماعية، حيث قد يعيق الأداء المهني والعلاقات الشخصية، ويؤثر على جودة النوم، خاصة إذا صاحبه المشي أو القيادة؛ كما يولد شعوراً بالذنب لإهدار الوقت، وفقاً لهايتماير، مما يعمق الدورة السلبية.

الإحصائية التفاصيل
عدد المرات اليومية المتوسط 205 مرات لدى الأمريكيين في 2025
نسبة القلق من الإفراط 58% حسب غالوب 2022
التحقق بدون دافع 89% من الحالات

ما هي آثار التبديل السريع على التركيز بسبب الهاتف؟

يُعد التحقق المستمر من الهاتف مؤشراً قوياً على القصور الإدراكي اليومي، كما وجدت دراسة من جامعة سنغافورة، إذ يفرض على الدماغ التبديل السريع بين المهام مما يقلل القدرة على التركيز في مهمة واحدة؛ وحذر عالم الحاسوب جيرالد م. واينبرغ قبل عقود من أن هذا النوع من التعدد يخفض الإنتاجية بنسبة تصل إلى 80%. وانتشرت هذه العادة اجتماعياً، حيث أفاد تقرير يوغوف بأن أكثر من نصف الأمريكيين يتفقدون هواتفهم عدة مرات أثناء الوجبات أو اللقاءات مع الأصدقاء؛ أما في بيئة العمل، فإن الإشعارات المتواصلة من الرسائل والبريد الإلكتروني والمنصات الاجتماعية تجعل ربع العاملين يتحققون من الهاتف مرة واحدة على الأقل في اجتماع يدوم 30 دقيقة. وتؤكد الباحثة غلوريا مارك من جامعة كاليفورنيا أن استعادة التركيز بعد كل انقطاع تستغرق أكثر من 25 دقيقة؛ بينما يضيف روزن أن الحاجة الدائمة للتواصل ترهق الدماغ كيميائياً، خاصة بزيادة هرمون الكورتيزول الذي يدفع إلى أكثر من 100 تحقق يومياً.

للتحرر من هذه العادات غير المفيدة، أظهر بحث ألماني من جامعة هايدلبرغ في يونيو الماضي أن فترات راحة قصيرة يمكن أن تكبح الاندفاعات السلبية، ويقترح الخبراء خطوات عملية للسيطرة.

  • قلل الإزعاج بإيقاف الإشعارات غير الضرورية، وحذف التطبيقات الزائدة.
  • اترك الهاتف خلفك أحياناً، لتذكير نفسك بالحياة بدون الاعتماد الدائم عليه.
  • أبعد الجهاز عن النظر أثناء الوجبات أو النوم أو العمل أو اللقاءات الاجتماعية.
  • استخدم كلمة مرور معقدة بدلاً من التعرف البيومتري، لإضافة حاجز بسيط أمام الوصول السريع.
  • راقب الاستخدام يومياً لتحديد الأوقات الأكثر تكراراً، وحدد فترات خالية من الهاتف.

يؤكد الخبراء أن الاستخدام الواعي للهاتف يحمي الصحة النفسية والجسدية، ويعيد التوازن إلى الحياة اليومية دون حرمان كامل.