الرمسة الإماراتية.. اكتشف كنوز الذاكرة الوطنية في خانة الأرشيف

الرمسة الإماراتية جزء لا يتجزأ من الموروث الثقافي الذي يعكس القيم والعادات الاجتماعية، وهي لغة تعبيرية خاصة تحمل دلالات متعددة تستمد جذورها من بيئة المجتمع وأصالته. خلال محاضرة «الرمسة.. مخزون الهوية والذاكرة»، أكدت الدكتورة عائشة بالخير، مستشارة البحوث في الأرشيف والمكتبة الوطنية، على أهمية المحافظة على الرمسة الإماراتية باعتبارها وسيلة تواصل اجتماعي تحمل بين طياتها أسراراً ثقافية متجددة ومتنوعة.

الرمسة الإماراتية كتراث يعكس الهوية الاجتماعية

تعد الرمسة الإماراتية من أبرز مكونات التراث الشعبي التي تعبّر عن نمط الحياة الإماراتية، حيث تحمل كلمات وجمل تعبر عن الملاطفة والتودد بين أفراد المجتمع، كما توضح الدكتورة عائشة بالخير أن الأصل اللغوي للرمسة يعود إلى الحديث الخافت، فـ«الرمسة» تعني الكلام الهادئ، و«الرمسات» تشير إلى الأقاويل، بينما «الرامس» هو المتحدث. استخدمت الرمسة في المجتمع الإماراتي بشكل واسع ضمن سياقات اجتماعية متعددة، منها التعبير عن التهاني بالعيد والزواج، والشكر، والاعتذار، والنجاح، معتمدة على صياغة لغوية تراعي أبعاد الكلمات ودلالاتها، وهذا ما جعلها مخزوناً حياً للذاكرة والهوية.

أهمية الحفاظ على الرمسة الإماراتية وتطور معجمها

تكتسب مفردات الرمسة من البيئة المحيطة والوراثة اللغوية، فهي تنمو في الأسرة والمجتمع من خلال سماع الشعر والأمثال والأقوال المأثورة، وتتغير مع الزمن عبر إدخال كلمات جديدة تثرى اللهجة الإماراتية الأصلية؛ لذا تنبه الدكتورة بالخير إلى أهمية التفكير في وزن الكلمة قبل النطق بها، ومراعاة السياق الاجتماعي والثقافي، «فلكل مقام مقال». كما أضاءت المحاضرة على علاقة الرمسة بالشعر، ومساهمته في تعزيز البلاغة والذوق اللغوي، مستشهدة ببعض أبيات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتي تجسد استخدام لغة عربية فصيحة غنية في التعبير عن المشاعر والحكمة، مما يظهر عمق التواصل اللغوي بين التراث والنصوص الأدبية.

الرمسات ودورها في التواصل الاجتماعي بين أبناء الإمارات

تُستخدم الرمسات بأسلوب فني متقن في الملاطفات وتبادل الحديث بين أفراد المجتمع الإماراتي، متضمنة عبارات تحمل معانٍ خفية أو رمزية في كثير من المناسبات، وهذا يخلق نوعًا من التفاعل الاجتماعي يعزز من الألفة والترابط، كما شملت المحاضرة مجموعة من العادات والتقاليد التي تُظهر الرمسة كشكل من أشكال التورية أو التشفير اللغوي الذي يفهمه الأطراف المتداخلون فيه فقط. وفيما يلي بعض الخصائص الرئيسية للرمسة الإماراتية:

  • استخدام عبارات مختصرة تحمل معانٍ غير مباشرة
  • ربط التعبير اللغوي بالعادات والتقاليد المجتمعية
  • انتقاء الكلمات بعناية للاستجابة للمناسبات المختلفة
  • تقوية الروابط الاجتماعية من خلال لغة مشتركة

يبرز من خلال ذلك مدى غنى الرمسة الإماراتية ودورها الحيوي في التواصل الثقافي والاجتماعي، إذ لا تقتصر على كونها مجرد كلمات وإنما هي رسالة توارثتها الأجيال، تدعو إلى الفخر والاعتزاز بالهوية الإماراتية، وتؤكد على أهمية استدامة الاهتمام بها كجزء لا يتجزأ من ذاكرة المجتمع وتراثه الحي.