أصول طقس الشاي البريطاني: رحلة تاريخية من عصر الفيكتوريين

شاي بعد الظهر يستحضر في الذهن تلك اللحظات الراقية في الثقافة البريطانية، حيث يجتمع الناس حول أباريق ساخنة وسط حدائق خضراء، يتبادلون الحديث بين طبقات من الكعك والشطائر الدقيقة، كما في مشاهد “داونتون آبي” أو أغاني “ماري بوبينز”. لكن هذا الطقس يتجاوز الصور النمطية، إذ يحمل تاريخًا غنيًا بالطقوس الاجتماعية والتطورات الثقافية، متجذرًا في عادات الأرستقراطية وينتشر ليصبح جزءًا من الحياة اليومية للطبقات المختلفة.

بدايات شاي بعد الظهر مع الأرستقراطية البريطانية

تعود جذور شاي بعد الظهر إلى عام 1840، عندما أعربت آنا راسل، دوقة بيدفورد، عن جوعها في منتصف النهار، محاطة بجدول زمني يفصل بين الغداء والعشاء بفجوة طويلة؛ فطلبت إضافة وجبات خفيفة إلى فنجان الشاي اليومي، ربما خبز مع زبدة أو مربى وبسكويت بسيط. هذا الابتكار سرعان ما امتد، مستفيدًا من شعبية الشاي نفسها التي أدخلتها كاثرين من براغانزا إلى إنجلترا عام 1662 كملكة، حيث تحول من علاج طبي إلى عادة أنيقة بين الثرياء. مع مرور الزمن، امتدت هذه الممارسة إلى العمال الذين اعتادوا استراحات قصيرة للشاي، مما جعلها جزءًا من الروتين اليومي، بينما رفعت الدوقة مستوى التوقعات ليصبح شاي بعد الظهر حدثًا اجتماعيًا متكاملًا.

تطور المكونات في شاي بعد الظهر التقليدي

شهد شاي بعد الظهر تطورًا ملحوظًا في الوجبات المرافقة، حيث امتدت من الخفيفة إلى مجموعة متنوعة تشمل شطائر محشوة بالطماطم أو الهليون أو الروبيان والكافيار، إلى جانب كعك مثل البذور والجوز الروسي أو الماكرون واللفائف السويسرية. برز الخيار كحشوة شهيرة للشطائر، مقشرًا ومقطعًا رقيقًا مع جبن كريمي، رمزًا للثراء لأنه يتطلب دفيئات زجاجية مكلفة. أما الكعكة المفضلة لدى الملكة فيكتوريا، المحشوة بمربى الفراولة وكريمة الزبدة، فقد سميت “فيكتوريا الإسفنجية” تكريمًا لها، مستفيدة من ابتكار مسحوق الخبز عام 1843 على يد ألفريد بيرد، الذي أضاف رقة إلى الخبز ومهد لانتشار “السكونز”، تلك الكعكات الطرية المحمصة مع المربى والقشدة. ساهمت السكك الحديدية أيضًا في نقل السياح إلى مناطق مثل جنوب غرب إنجلترا، حيث بيعت وجبات الشاي بالكريمة كتجارة مزدهرة.

طقوس وانتشار شاي بعد الظهر خارج الدوائر الراقية

كان شاي بعد الظهر أكثر من مجرد وجبة، إذ شكل فرصة لتبادل الأخبار وتعزيز الروابط الاجتماعية، مع قواعد صارمة تشمل أواني فاخرة ودعوات مكتوبة، وملابس أنيقة مزينة بالدانتيل للسيدات، بينما يحتسي الرجال من أكواب خاصة تبقي الشوارب جافة. انتقل هذا الطقس من الصالونات الأرستقراطية إلى الفنادق مثل لانغهام عام 1865، الذي قدمه للعامة في قاعة فاخرة، متبوعًا بريتز عام 1906 بردهة رخامية وشاي دارجيلنغ أو إيرل غراي. في الأدب، رسم لويس كارول حفلة شاي سريالية في “مغامرات أليس في بلاد العجائب” عام 1865، ساخرًا من الطقوس الإنجليزية. أما الطبقات العاملة، فقد اعتمدته كاستراحة طاقة أثناء الثورة الصناعية، حيث اعتبر أصحاب المصانع أن المنبهات في الشاي تزيد الإنتاجية، مدعومة بوجبات سكرية؛ وفقًا لجيليان بيري في كتابها، كان يمنح العمال دفعة لإنهاء اليوم.

لإعداد شاي بعد الظهر تقليدي، يمكن اتباع خطوات بسيطة تجمع بين الدقة والإبداع:

  • اختر أوراق شاي عالية الجودة مثل إيرل غراي أو دارجيلنغ، وغلي الماء لمدة ثلاث دقائق فقط.
  • رتب الأباريق الفضية والأكواب الراقية على طاولة مغطاة بمفرش أبيض نظيف.
  • أعد الشطائر الرقيقة محشوة بالخيار أو الروبيان، مع الالتزام بقطع متساوٍ.
  • ضع طبقات من الكعك الإسفنجي والسكونز مع المربى والقشدة المتخثرة.
  • أضف لمسات حلوة مثل الماكرون أو الكعك بالجوز، لتكمل الوجبة المتوازنة.
  • دع الضيوف يصلون في الوقت المحدد، محافظًا على جو هادئ وودي.

| الفترة التاريخية | التطور الرئيسي في شاي بعد الظهر |
|——————–|———————————–|
| القرن السابع عشر | إدخال الشاي كعادة راقية بواسطة الملكة كاثرين. |
| عام 1840 | ابتكار الدوقة آنا راسل للوجبات الخفيفة بين الغداء والعشاء. |
| العصر الفيكتوري | انتشار في الفنادق والطبقات العاملة كاستراحة إنتاجية. |
| الحرب العالمية الثانية | تراجع بسبب الحصص، ثم استعادة الشعبية في الفنادق الحديثة. |

يستمر شاي بعد الظهر في جذب الزوار إلى فنادق مثل لانغهام وريتز، حيث يعيد تقديم الطقوس القديمة بأسلوب معاصر، محافظًا على مكانته كرمز بريطاني يجمع بين التاريخ والاستمتاع اليومي.