رسميًا.. قراءة في توقف الحرب الأوكرانية الروسية وتأثيرها المباشر على العراق اليوم

تُشكل تأثيرات انتهاء الحرب الأوكرانية الروسية على العراق ملفاً معقداً يجمع بين أبعاد اقتصادية وسياسية وأمنية، إذ إن السلم بين موسكو وكييف يفتح أبواباً جديدة كثيرة أمام بغداد ويُعيد ترتيب أولوياتها. يستند هذا التحليل إلى فهمٍ دقيق لتداعيات هذا الحدث الدولي على المشهد العراقي.

التأثيرات الاقتصادية لوقف الحرب الأوكرانية الروسية على العراق

يعتبر الاقتصاد الريعي العراقي أول المتأثرين بانتهاء الحرب الأوكرانية الروسية؛ حيث شهدت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً حتى وصلت إلى حوالي 120 دولاراً للبرميل بسبب التوترات، ما عزز إيرادات العراق بصورة مؤقتة. مع سقوط الحرب، من المتوقع أن تنخفض الأسعار تدريجياً نتيجة انخفاض ضغوط الندرة في السوق العالمية، لكن هذا الانخفاض قد يكون محدوداً لا يتخطى بعض الأسابيع بسبب تفاؤل الأسواق المضاربي. ورغم أن التحليلات تشير إلى احتمال هبوط السعر إلى نحو 60 دولاراً للبرميل في ضوء استمرار بعض الضغوط السياسية، إلا أن ذلك سيزيد من فجوة ميزانية العراق المبنية على سعر تقديري يبلغ 75 دولاراً، مما قد يفرض على الحكومة إجراءات تقشفية مثل تخفيض قيمة الدينار أو رفع الضرائب.

من جهة أخرى، يعاني القطاع الغذائي العراقي بسبب الاعتماد الكبير على استيراد الحبوب، خصوصاً القمح الذي يمثل حوالي 30% من إنتاجه العالمي بين روسيا وأوكرانيا. الحرب أدت إلى تعطيل سلاسل الإمداد وزيادة أسعار الغذاء في السوق المحلي، لكن مع توقُّف الحرب ستبدأ التوريدات تدريجياً بالعودة إلى سابق عهدها، ما سيخفف من الضغوط التضخمية ويُحسّن القدرة الشرائية للمواطنين، وفق بيانات البنك الدولي التي أكدت تراجع أسعار القمح إلى مستويات ما قبل النزاع بنهاية 2022.

على صعيد التجارة الخارجية، نزعت الحرب نحو ثلث حجم التبادل التجاري بين العراق وأوكرانيا، الذي كان قبلها يتجاوز نصف مليار دولار سنوياً، خاصة في صادرات مواد البناء والحديد التي تضررت جراء انعدام الأمن ونقص الأساطيل. تسعى الدبلوماسية الأوكرانية حالياً لإعادة إحياء هذه العلاقات وتنويع السلع المتبادلة، وهو ما يؤثر إيجاباً على السوق العراقي، رغم الضغوط الغربية التي تُطالب بعدم تحويل الأموال إلى روسيا ضمن العقوبات الاقتصادية. من المتوقع أن تبادر بغداد إلى تنويع مستورديها وتعزيز شراكات تجارية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاقتصادات الصاعدة لتعويض أي تباطؤ في الصادرات التقليدية، مما يجعل الملف التجاري العراقي في قلب التغيرات القادمة.

التغيرات السياسية المرتقبة مع نهاية الحرب الأوكرانية الروسية وتأثيرها على العراق

ينعكس انتهاء الحرب الروسية-الأوكرانية بوضوح على خارطة التحالفات الدولية، ويُلقي بظلاله على السياسة الخارجية العراقية، التي حافظت خلال الأزمة على موقف حيادي ومرن، حيث لم تدن روسيا في المحافل الدولية وبقيت محافظة على علاقات متوازنة مع موسكو وكييف. وتنويع شراكات بغداد وتقليل اعتمادها على الاستثمارات الروسية كان جزءاً من استراتيجيات الحكومات الأخيرة، بهدف كسب ثقة الحلفاء الغربيين وجذب رؤوس الأموال الأجنبية.

إن انفتاح العراق على الغرب وأوكرانيا محتمل مع التوصل إلى السلام، إذ تعبر كييف عن رغبتها في إحياء علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع بغداد واستقطاب الشركات الأوكرانية. بالمقابل، قد تعيد روسيا توجيه جهودها الدبلوماسية شرقاً لتعزيز وجودها السياسي في المنطقة، مع محاولة لعب دور متوازن ضد النفوذ الأمريكي. هذا المشهد الجديد يضع بغداد أمام تحدٍ مزدوج يتطلب موازنة حذرة بين تحالفاتها الغربية ومصالحها مع موسكو وكييف على حد سواء.

على الصعيد الإقليمي، ستتأثر موازين القوى بتداعيات توقف الحرب، فدول الخليج استفادت من ارتفاع أسعار النفط أثناء النزاع لتحسين موقعها التفاوضي، ومن المتوقع أن يعزز انتهاء الحرب من موقع العراق السياسي المستقل ضمن متغيرات تعددية الأقطاب، لكنه سيتعرض لضغوط متزايدة للحفاظ على التوازن بين القوى المختلفة. كما أن العلاقة التقليدية بين بغداد وموسكو، خصوصاً في قطاع النفط والغاز، ستبقى حاضرة لكنها ستعتمد على المعطيات الجديدة والتوافق السياسي الدولي.

الأبعاد الأمنية لوقف الحرب الأوكرانية الروسية وتداعياتها على العراق

تشير التأثيرات الأمنية لوقف الحرب الأوكرانية الروسية على العراق إلى وجود وجهين متناقضين؛ فبينما يُتوقع أن ينعكس تحول الاهتمام العالمي من الصراع الأوروبي شرقاً إلى منطقة الشرق الأوسط بدعم أكبر في مواجهة الإرهاب، تبرز مخاوف من أن يشكل الفراغ الأمني فرصة لاستغلال تنظيم داعش أو فصائل متطرفة أخرى لتكثيف نشاطها.

تزامناً مع توقف الحرب، من المتوقع أن يتم رفع بعض القيود التي عطلت صفقات التسليح مع روسيا، التي شملت قطع غيار حيوية للطائرات والمعدات العسكرية التي كانت تُنتج في أوكرانيا، مع تأثير ذلك على جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية. استئناف توريد هذه المعدات والذخيرة سيعزز جاهزية القوات العراقية ويقدم دفعة مهمة لرفع القدرات الأمنية في مواجهة التهديدات النشطة.

عموماً، يُنتظر أن يكون لانتهاء الحرب الروسية-الأوكرانية أثر غير مباشر لكنه فعّال على الاستقرار الأمني في العراق، من خلال إعادة ترتيب الأولويات الدولية وتوجيه الدعم والمساعدات نحو مكافحة الإرهاب، مع تأكيد الحاجة إلى متابعة مستمرة للتطورات الجيوسياسية التي قد تخلق تحديات غير متوقعة في المستقبل.

البُعد التأثيرات المتوقعة التداعيات على العراق
الاقتصادي انخفاض أسعار النفط؛ عودة إمدادات القمح؛ تنويع التجارة ضغط على ميزانية الدولة؛ تخفيف التضخم الغذائي؛ توسيع الشراكات الاقتصادية
السياسي إعادة رسم التحالفات؛ انفتاح دبلوماسي؛ تعزيز دور إقليمي موازنة بين موسكو والغرب؛ تعزيز استقلالية القرار العراقي
الأمني دعم مكافحة الإرهاب؛ رفع قيود التسليح؛ مخاوف من استغلال الفراغ الأمني تحسين الجاهزية الأمنية؛ الحاجة إلى مراقبة التحولات الأمنية