بات تأثير الضغوط السياسية على سعر الدولار محور اهتمام المستثمرين حول العالم، خصوصًا مع تسجيل العملة الأمريكية خسائر شهرية تجاوزت 2% مقابل سلة العملات الرئيسية، وتتزامن هذه التراجعات مع تزايد التكهنات حول نية الاحتياطي الفيدرالي الشروع في خفض أسعار الفائدة، مما يضيف مزيدًا من الغموض للمشهد الاقتصادي الذي تهيمن عليه المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي.
لقد انخفض مؤشر الدولار ليسجل مستوى 97.917، وهو ما يعكس خسارة ملموسة بنسبة 2% خلال شهر أغسطس فقط، ويأتي هذا الهبوط ليفاقم من تراجع أكبر بلغت نسبته 10% منذ مطلع العام، ويعود هذا الانخفاض الحاد بشكل رئيسي إلى حالة عدم الاستقرار الناجمة عن السياسات التجارية المتقلبة للإدارة الأمريكية، فهذه السياسات دفعت المستثمرين إلى الهروب نحو الملاذات الأكثر أمانًا والتخلي عن الأصول المقومة بالدولار، وهو ما ضاعف من الضغط على العملة في الأسواق الدولية وأثار تساؤلات جدية حول استقرارها المستقبلي، حيث يعكس هذا المسار الهابط مدى حساسية سعر الدولار للأحداث الجيوسياسية والتوترات الاقتصادية.
الصراع السياسي وقرارات الفائدة: كيف يُحدد مستقبل سعر الدولار؟
تستمر الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية على البنك المركزي في التصاعد، وقد تجلى ذلك بوضوح في محاولة إقالة ليزا كوك من منصبها كعضو مؤثر في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو إجراء غير مسبوق دفعها لرفع دعوى قضائية تؤكد فيها عدم امتلاك الرئيس لهذه الصلاحية، وتُعد هذه المواجهة القضائية أحدث فصول الصراع المستمر للتدخل في السياسة النقدية، والذي سبقه توجيه انتقادات حادة ومتكررة للاحتياطي الفيدرالي ورئيسه جيروم باول لعدم الإسراع في خفض أسعار الفائدة، وهذا التدخل المباشر يخلق حالة من الضبابية بشأن قرارات البنك المستقبلية، مما يزيد من إضعاف العملة ويجسد بوضوح تأثير الضغوط السياسية على سعر الدولار.
تداعيات تأثير الضغوط السياسية على سعر الدولار في الأسواق العالمية
يترقب المحللون بقلق بالغ تبعات المساس باستقلالية لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة، محذرين من أن ذلك قد يفضي إلى اضطراب شامل في توقعات التضخم وارتفاع حاد في عوائد السندات طويلة الأجل، مما يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار النظام المالي بأكمله، وقد أوضحت كارول كونغ، محللة العملات في بنك كومنولث أستراليا، أن الأسواق قد تفقد ثقتها تمامًا في استقرار السياسة النقدية للولايات المتحدة، وهو السيناريو الذي يضغط بشدة على جاذبية الأصول الدولارية ويشجع المستثمرين على سحب أموالهم، وهذا يؤكد عمق تأثير الضغوط السياسية على سعر الدولار وثقة المتعاملين، وتتلخص المخاطر المحتملة في عدة جوانب رئيسية:
- تآكل الثقة في استقلالية قرارات الاحتياطي الفيدرالي.
- حدوث اضطراب واسع في توقعات التضخم على المدى البعيد.
- زيادة حدة التقلبات في أسعار السندات الحكومية الأمريكية.
- تراجع شهية المستثمرين الأجانب للاستثمار في الأصول الأمريكية.
ويحذر خبراء آخرون من أن الرضوخ للمطالب السياسية عبر خفض الفائدة بشكل مبالغ فيه قد تكون له عواقب كارثية، إذ يمكن أن يطلق العنان لموجة تضخم جامحة ويقوض الثقة في سندات الخزانة الأمريكية التي تعد الركيزة الأساسية للنظام المالي العالمي، وهذا بدوره سيؤدي إلى إضعاف تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية التي يعتمد عليها الاقتصاد الأمريكي لتمويل عجزه التجاري والميزاني، ورغم أن ردود فعل الأسواق كانت محدودة نسبيًا تجاه الخلاف الأخير بين الإدارة وكوك، إلا أن المخاطر طويلة الأجل لا تزال قائمة وتهدد استقرار سعر الدولار عالميًا.
كيف تفاعلت العملات المنافسة مع تذبذب سعر الدولار الأخير؟
في خضم هذا المناخ الاقتصادي المضطرب، أظهرت أسواق الصرف أداءً متباينًا للعملات العالمية أمام الدولار الأمريكي المتراجع، فبينما شهد اليورو تراجعًا طفيفًا في بعض الجلسات، إلا أنه يسير بخطى ثابتة لتحقيق مكاسب شهرية ملحوظة، وفي الوقت نفسه حافظ الجنيه الإسترليني على استقراره النسبي رغم التحديات الخاصة به، وفي المقابل، سجلت عملات أخرى أداءً قويًا مستفيدة من ضعف العملة الأمريكية، ويوضح الجدول التالي أداء العملات الرئيسية في ظل تأثير الضغوط السياسية على سعر الدولار.
العملة | سعر الصرف مقابل الدولار | الأداء الشهري |
---|---|---|
اليورو | 1.16625 | مكاسب بنسبة 2% |
الجنيه الإسترليني | 1.3509 | مستقر |
الين الياباني | 147.01 | أداء قوي |
الدولار الأسترالي | 0.6533 | مكاسب بنسبة 1.6% |
اليوان الصيني | أعلى مستوى منذ 10 أشهر | مدعوم بالسياسات المحلية |
أظهرت البيانات الصادرة مؤخرًا أن الاقتصاد الأمريكي حقق نموًا أسرع من المتوقع خلال الربع الثاني، لكن الصورة الكلية تظل معقدة بسبب استمرار فرض الرسوم الجمركية على الواردات، والتي تؤثر سلبًا على حركة التجارة العالمية وتزيد من حالة عدم اليقين، ومع ذلك، يبقى تأثير الضغوط السياسية على سعر الدولار هو العامل الأكثر أهمية الذي يتابعه المستثمرون بدقة.
يترقب المتعاملون في الأسواق حاليًا صدور بيانات مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي، وهو المقياس الذي يفضله الاحتياطي الفيدرالي لتقييم مستويات التضخم، حيث تشير التوقعات إلى احتمالية تسجيله 2.6% على أساس سنوي، مما سيوفر رؤية أكثر وضوحًا للتوجهات النقدية القادمة للبنك المركزي.