«ذكرى مميزة» نجاة الصغيرة تحتفل بعيد ميلادها الـ87 وكيف أثرت في الطرب العربي

نجاة الصغيرة تحتفل بعيد ميلادها الـ87، كواحدة من أعظم رموز الطرب العربي الأصيل وأيقونة الموسيقى التي سطرت تاريخ الفن العربي بأعذب الألحان وأعظم الكلمات. هذه النجمة التي وُلدت في 11 أغسطس 1938، لطالما كانت صوتًا يلامس القلوب، وأسطورة لا تنسى في عالم الغناء العربي الذي شهد “العصر الذهبي” خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين.

بدايات نجاة الصغيرة ومسيرة الطرب العربي الأصيل

ولدت نجاة محمد كمال حسني البابا في القاهرة وسط عائلة فنية، حيث كان والدها خطاطًا بارعًا وشقيقها الفنان المعروف محمد حسني البابا. موهبتها الغنائية اكتُشفت في سن مبكرة، وشرعت في إحياء أغاني الطرب العربي الأصيل باحترافية لم تتجاوز العاشرة من عمرها. تميزت بقدرتها الفريدة على التحكم بطبقات صوتها وأداء عاطفي عميق أسعد وأثر في جمهورها، مما جذب انتباه كبار الملحنين والشعراء مثل محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وكمال الطويل.

التعاون مع كبار شعراء الطرب العربي الأصيل وأثره على مسيرتها

ارتبط اسم نجاة الصغيرة بالعديد من شعراء الطرب العربي الأصيل، وكان من أبرزهم نزار قباني الذي كتب لها قصائد خالدة مثل “أيظن” و”ماذا أقول له”، إضافة إلى عبد الرحمن الأبنودي الذي أسهم في تأسيس مسيرتها بأغاني مميزة منها:

  • عيون القلب
  • ذكريات
  • قصص الحب الجميلة
  • هتسافر

الأبنودي وصف صوتها بـ”الدافئ”؛ إذ كانت تتعامل مع النص الغنائي بدقة متناهية، منحها الأداء الشعري إحساسًا خاصًا لكل كلمة، مما عمّق ارتباط المستمعين بأغانيها.

عودة نجاة الصغيرة إلى الطرب العربي الأصيل بعد الاعتزال

غابت نجاة الصغيرة عن الساحة الفنية منذ اعتزالها في 2002، لكن عودتها في 2017 بأغنية “كل الكلام قلناه” أعادت إشعال روح الطرب العربي الأصيل في قلوب عشاقها. استغرق إعداد الأغنية عامًا كاملاً، بالتعاون مع الملحن طلال والموزع يحيى الموجي والمخرج هاني لاشين، حيث تم تسجيلها بين مصر وفرنسا واليونان، مما يعكس حرصها الدائم على الجودة. ومن خلال متابعة دقيقة لكافة مراحل الإنتاج، أظهرت نجاة التزامها الفني وكأنها تطل على جمهورها لأول مرة.

نجاة الصغيرة لم تكن تمثل مجرد ظاهرة غنائية، بل مدرسة متكاملة في اختيار الكلمات وصناعتها، حيث كانت تعطي أولوية قصوى للكلمة في أعمال الطرب العربي الأصيل. كان نهجها يرتكز على التعاون مع شعراء يتمتعون بحس فني راقٍ، فكانت الكلمة بالنسبة لها الركيزة الأساسية التي ينبني عليها نجاح الأغنية. وصفها الأبنودي بقولٍ يعكس عمق تقديرها: “نجاة تسير بين الفن والحياة بحذر، فتمنح كل مقطع من أغانيها إحساسًا لا يُضاهى”.

لا يمكن الحديث عن الطرب العربي الأصيل دون التوقف عند إرث نجاة الصغيرة الذي ترك بصمة لا تُمحى في ذاكرة الموسيقى العربية. حفرت أغانيها مثل “أيظن”، “أنا بعشق البحر”، “متى ستعرف كم أهواك”، و”ساكن قصادي” أصداءً لا تزال تُغنى وتُذاع حتى اليوم، حاملةً مدرسة غنائية تجمع بين الرقة والقوة في الأداء، مما جعلها رمزًا فنيًا فريدًا يستحيل تكراره.

تجاوز تأثير نجاة الصغيرة مراحل الزمن، ليصل إلى أجيال جديدة من الفنانين الذين يستلهمون من حُسن الكلمة وإخلاص الأداء وأصالة الطرب العربي الأصيل، مستخدمين تجربتها كمصدر لتحسين فنّهم ورفع مستوى ذائقة المستمعين وتجنب الابتذال.

حافظت نجاة طوال رحلتها على هوية فنية ثابتة، مبتعدة عن الصيحات التجارية العابرة، مؤمنة بأن النجاح الحقيقي نابع من تقديم أعمال فنية خالدة تعيش بين الناس، لا من تحقيق نجاحات مؤقتة. هذا النهج أكسبها ولاء جمهورها الذي ظل يعشق صوتها رغم مرور السنين، لتبقى نجمًا ساطعًا في سماء الطرب العربي الأصيل.

هكذا تُذكَر نجاة الصغيرة، ليست فقط كصوت جميل بل كرمز حيّ لعصر ذهبى من الطرب، وكنموذج يحتذى به في الالتزام بالجودة والإحساس في الفن، مؤكدين أن الفن الحقيقي لا يفقد إشراقه مع الزمن، بل يزداد عظمة وقيمة يوماً بعد يوم.