هل اليورو الرقمي المفتاح لاستقرار الأسواق المالية الأوروبية؟ تعرف على الأسباب اليوم

تُعد العملة الرقمية الصادرة عن البنك المركزي الأوروبي نقلة نوعية في مستقبل النقود الأوروبية، حيث توفر فرصة لتحويل اليورو التقليدي إلى شكل رقمي متاح بسهولة ومباشرة على الهواتف الذكية، مع سرعة انتقال فورية بين المستخدمين بدون الحاجة لأي تحقق من الرصيد؛ ما يعكس تطوراً جوهرياً في أنظمة الدفع داخل منطقة اليورو.

لماذا يحتاج الأوروبيون إلى إطلاق اليورو الرقمي في ظل تطور المدفوعات الرقمية؟

على الرغم من سهولة إرسال الودائع البنكية بين الأوروبيين خلال ثوانٍ معدودة، وقدرة المستخدمين على شراء مختلف السلع عبر بطاقات الدفع مثل “فيزا” و”ماستركارد”، لا تزال هناك ضرورة ملحة لإطلاق اليورو الرقمي؛ إذ يُشكّل النقد الورقي نحو 39% فقط من إجمالي عمليات الشراء في نقاط البيع عام 2024، بعدما كان يشكل 54% في 2016، بسبب تراجع رغبة بعض الشركات في قبول النقد التقليدي؛ ما يؤكد تزايد الاعتماد على النقود الخاصة الرقمية التي تستند إلى بنوك ومؤسسات خارج منظومة البنك المركزي الأوروبي. ورغم جاذبية النقود الخاصة، فإنها تحمل مخاطر كبيرة قد تؤثر على استقرار النظام المالي الأوروبي، خاصة مع الأزمات البنكية التي شهدها العالم سابقاً، إلى جانب القيود القانونية والسياسية المرتبطة باستخدام بطاقات الدفع الخاضعة لقوانين أمريكية، مما قد يهدد سيطرة البنك المركزي على السياسة النقدية داخل الاتحاد.

دور العملة الرقمية الصادرة عن البنك المركزي في دعم الاستقرار المالي الأوروبي

يهتم البنك المركزي الأوروبي بتوفير عملة رقمية صادرة عنه تتيح الاستبدال بشكل مباشر بالنقود الخاصة، ما يُسهم في تعزيز الثقة واستقرار النظام المالي، ولو لم تحظَ هذه العملة الرقمية باستخدام واسع بين الجمهور، وذلك لعدة أسباب مهمة: أولاً، تتيح وصولاً سريعاً للتحويلات المالية الطارئة أثناء الأزمات مثل جائحة كوفيد-19، كما تُسهل العمليات العابرة للحدود وتخفض التكاليف والتعقيدات المرتبطة بالمدفوعات الدولية إذا رُبطت بعملات رقمية بنكية مركزية أخرى، مما يعزز التكامل المالي بين الدول. ولضمان الحماية من سلبيات كثرة استخدام العملة الرقمية، وضعت الجهات المعنية قيوداً على حجم الأموال التي يمكن لكل فرد الاحتفاظ بها، مع حظر كسب فائدة عليها، فضلاً عن إجراءات صارمة لحماية الخصوصية تفوق ما توفره تطبيقات الدفع الحالية؛ وتشمل إمكانية إجراء المعاملات دون اتصال بالإنترنت مما يحاكي درجة الخصوصية المرتبطة باستخدام النقد الورقي.

التحديات والفرص أمام البنك المركزي الأوروبي في تعميم اليورو الرقمي

يكمن التحدي الأبرز في تحقيق توازن دقيق بين انتشار اليورو الرقمي كعملة تتوافر على نطاق واسع بين الناس، تماماً كما هو الحال مع العملة الورقية، وبين الحفاظ على دور النقود الخاصة في النظام الاقتصادي؛ وهو ما يتطلب جهوداً مكثفة لكسب ثقة المستخدمين المحتملين من خلال توضيح مزايا العملة الرقمية وطمأنتهم بشأن حماية الخصوصية وعدم التأثير السلبي على البنوك التجارية. هذا التوازن ضروري لتفادي هيمنة العملة الرقمية على النظام المالي بشكل قد يحد من التنوع النقدي ويُضعف قدرة السوق على التكيف. ورغم أن تنظيم هذه الجوانب سيتطلب وقتاً وتنسيقاً دقيقاً، إلا أن وجود عملة رقمية من البنك المركزي متاحة الآن يعد استثماراً استراتيجياً مهماً؛ لأن الاعتماد على مثل هذه العملة مستقبلاً سيكون ضرورة لا مناص منها، وأفضل أن ندخل هذا المستقبل وهو مُجهز بالخيارات المتوفرة بدلاً من الافتقار إليها وقت الحاجة القصوى.