من الاغتيال إلى الاستمرار: كيف تشكل الأيديولوجيا درع المقاومة؟

من الاغتيال إلى الاستمرار: كيف تشكل الأيديولوجيا درع المقاومة؟

د. محمد رضا صادقی

الملخص

يُعتبر اغتيال القادة والميدانيين البارزين أحد أهم الاستراتيجيات التي تعتمدها القوى المعادية لإضعاف حركات المقاومة والقضاء عليها. ومع ذلك، أثبتت تجارب فصائل المقاومة الإسلامية، مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس، أن هذه الاستراتيجية لم تحقق أهدافها، حيث أن هذه الفصائل لا تنهار بعد فقدان قادتها، بل تدخل في مرحلة انتقالية لإعادة الهيكلة والتكيف، قبل أن تعود بمستوى أعلى من التماسك والفعالية. في المقابل، نجد أن العديد من الحركات التحررية غير الإسلامية التي تفتقر إلى أيديولوجيا متجذرة وبنية تنظيمية صلبة، قد انهارت بعد اغتيال قادتها بسبب غياب أسس واضحة لاستمرارية العمل.
يركز هذا البحث على عاملين رئيسيين يفسران قدرة فصائل المقاومة الإسلامية على الصمود وإعادة التشكيل بعد فقدان قادتها:
1.الأيديولوجيا الإسلامية، باعتبارها منظومة فكرية وهوية ثقافية تحفز الاستمرارية وتحافظ على وحدة الصف.
2.البنية التنظيمية الهرمية متعددة الطبقات، والتي تضمن استمرارية القيادة عبر نظام محكم لتأهيل القادة البدلاء.
في القسم الأخير، نقارن بين نموذج المقاومة الإسلامية ونماذج الحركات التحررية غير الإسلامية، مبرزين كيف أن غياب الأيديولوجيا القوية والبنية التنظيمية المتماسكة أدى إلى تفكك هذه الحركات بعد تصفية قياداتها.
١. الأيديولوجيا الإسلامية ودورها في استمرارية فصائل المقاومة
تلعب الأيديولوجيا دورًا أساسيًا في صمود الحركات المقاومة، حيث إنها ليست مجرد إطار فكري أو برنامج سياسي، بل تشكل منظومة قيمية وهوياتية تمنح الشرعية والاستمرارية للنضال.
١.١. المقاومة كواجب ديني واستراتيجية تاريخية
في الفكر المقاوم الإسلامي، يُنظر إلى الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال والاستعمار على أنها واجب شرعي وأمر إلهي، وليس مجرد قرار سياسي. وتساهم مفاهيم الشهادة، التضحية، الصبر، والتكليف الإلهي في ترسيخ فكرة أن استمرار المقاومة لا يعتمد على وجود قائد معين، بل هو مسؤولية جماعية تتجاوز الأفراد. على عكس الحركات التحررية ذات الطابع القومي أو الأيديولوجيات المتغيرة، فإن المقاومة الإسلامية تستمد مشروعيتها من منظومة فكرية ثابتة تتجاوز الزمن والظروف.

١.٢. القادة كرموز للحركة وليس كمراكز للقرار المطلق
في العديد من الحركات التحررية غير الإسلامية، يتمحور التنظيم حول شخصية القائد الكاريزمي، مما يجعل الحركة عرضة للانهيار عند غيابه. أما في فصائل المقاومة الإسلامية، فالقادة يُنظر إليهم على أنهم رموز لحركة تاريخية ممتدة، وليسوا مصدر القرار الوحيد. هذا الفهم له تداعيان رئيسيان:
1.اغتيال القادة لا يؤدي إلى أزمة شرعية أو فقدان الهوية، لأن المقاومة تستمر كتكليف ديني وواجب تاريخي.
2.القرار السياسي والعسكري موزع بين عدة مستويات قيادية، مما يضمن عدم حدوث فراغ استراتيجي عند غياب أحد القادة.
١.٣. الارتباط العميق بالقاعدة الشعبية ورأس المال الاجتماعي للمقاومة
تعتمد فصائل المقاومة الإسلامية على علاقة عضوية متينة مع المجتمع الذي تنتمي إليه، حيث توفر له خدمات اجتماعية وتعليمية وصحية، إلى جانب دورها العسكري والسياسي. هذا الارتباط يضمن استمرار الحاضنة الشعبية حتى بعد فقدان القادة، مما يُفشل استراتيجية الاغتيالات التي تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية وزرع الإحباط في صفوف الجماهير.
٢. البنية التنظيمية الهرمية وآليات تأهيل القادة البدلاء
إحدى أبرز نقاط القوة في فصائل المقاومة الإسلامية هي هيكليتها التنظيمية متعددة الطبقات، والتي تضمن استمرار القيادة والفاعلية الميدانية حتى في أصعب الظروف.
٢.١. تأهيل القادة البدلاء ضمن استراتيجية طويلة المدى
تتبنى فصائل مثل حزب الله وحماس نموذج التنظيم متعدد المستويات، حيث يتم:

تدريب الكوادر القيادية على مختلف المستويات بشكل مستمر.

تحديد مسارات واضحة لتأهيل القادة البدلاء واستبدالهم عند الضرورة.

توزيع مراكز صنع القرار بين عدة مستويات قيادية، مما يمنع حدوث فراغ خطير عند فقدان القيادة العليا.

٢.٢. فترة التكيف وإعادة التنظيم بعد اغتيال القادة

بعد اغتيال شخصية قيادية بارزة، تمر فصائل المقاومة الإسلامية بمرحلة انتقالية لإعادة ترتيب الصفوف، قد تستمر عدة أشهر أو سنوات، وخلالها يتم:

إعادة ضبط الهيكل القيادي وتنظيم العلاقات الداخلية.

تعزيز التنسيق بين الأجنحة العسكرية والسياسية والاجتماعية.

تكثيف التعبئة الشعبية للحفاظ على زخم المقاومة وتقوية الحاضنة الاجتماعية.

هذه المرحلة تُمكّن فصائل المقاومة من إعادة الظهور بقوة أكبر وفاعلية أعلى، ما يثبت فشل استراتيجية الاغتيالات في تحقيق أهدافها.
٣. المقارنة مع الحركات التحررية غير الإسلامية
في المقابل، نجد أن العديد من الحركات التحررية غير الإسلامية لم تنجح في الصمود بعد اغتيال قادتها، وذلك بسبب افتقارها إلى أيديولوجيا متجذرة وبنية تنظيمية قوية.
٣.١. غياب الأيديولوجيا المتماسكة والمحركة

استندت العديد من الحركات التحررية إلى الخطابات القومية أو الأيديولوجيات الماركسية أو الليبرالية، لكنها لم تستطع غرس عقيدة قوية تدفع عناصرها للاستمرار بعد فقدان القيادة.

في غياب مرجعية فكرية عميقة، تفقد القاعدة التنظيمية حماسها وقدرتها على التضحية، مما يؤدي إلى التفكك والانحسار.

٣.٢. الضعف في الهيكلية التنظيمية وآليات توريث القيادة

العديد من الحركات المسلحة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط لم تمتلك نظامًا واضحًا لاستبدال قادتها.

نتيجة لذلك، عند اغتيال القادة الرئيسيين، تعرضت هذه الحركات إلى أزمات داخلية وانقسامات أضعفتها بشكل حاسم.

٣.٣. أمثلة تاريخية

حركات تحررية قومية مثل منظمة التحرير الفلسطينية (فتح)، التي دخلت في أزمات متتالية بعد فقدان قادتها التاريخيين.

الحركات الماركسية الثورية في أمريكا اللاتينية وأجزاء من إفريقيا، التي انهارت بعد فقدان قياداتها بسبب عدم وجود نظام بديل واضح للحفاظ على التنظيم.

٤. الخاتمة
تُظهر التجربة أن استراتيجية الاغتيالات لم تكن فعالة في القضاء على فصائل المقاومة الإسلامية، بل كانت حافزًا لإعادة التنظيم والانطلاق بقوة أكبر. ويعود ذلك إلى دور الأيديولوجيا الإسلامية في ترسيخ الاستمرارية، والبنية التنظيمية متعددة الطبقات التي تضمن استبدال القادة بشكل سلس ومنهجي.
بالمقابل، أثبتت التجربة أن غياب الأيديولوجيا القوية والهيكلية التنظيمية المحكمة، هو العامل الرئيسي وراء انهيار العديد من الحركات التحررية بعد اغتيال قادتها، مما يؤكد أن سر صمود المقاومة الإسلامية يكمن في نموذجها الفكري والتنظيمي الفريد.
[[email protected]]

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم:

close